الإمام صالح الجعفري.. سيرة عالم رباني جمع بين الأزهر والتصوف

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تحتفل الطرق الصوفية هذه الأيام بذكرى مولد القطب الصوفي الكبير الشيخ صالح الجعفري، إمام الجامع الأزهر الأسبق، ومؤسس الطريقة الجعفرية الأحمدية، ذات الامتداد الواسع في عدد من دول العالم الإسلامي.

وقد انطلقت فعاليات المولد أمس الأحد، وتختتم الفعاليات مساء الخميس المقبل، وسط حضور كثيف من مريدي ومحبي آل البيت والطرق الصوفية.

وتأتي ذكرى مولده الشريف مناسبة لاستحضار سيرته العطرة، والوقوف على عطائه العلمي والروحي، ودوره البارز في خدمة الأزهر الشريف، ونشر محبة آل البيت، وترسيخ منهج التصوف السني القائم على الكتاب والسنة، بعيدا عن الغلو والانحراف.

نسب شريف وسيرة عطرة

ينتمي الإمام الشيخ صالح الجعفري إلى بيت النبوة، حيث يمتد نسبه الشريف إلى سيدنا جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، لتكون جدته الكبرى السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

واسمه الكامل هو صالح بن محمد بن صالح بن محمد بن رفاعي، وقد كان لهذا النسب أثر واضح في تعلقه بمحبة آل البيت وخدمتهم علميا وروحيا.

المولد والنشأة في السودان

ولد الشيخ صالح الجعفري رضي الله عنه في مدينة دنقلا بالسودان في الخامس عشر من جمادى الآخرة سنة 1328 هـ، وفيها نشأ وترعرع، وحفظ القرآن الكريم وأتقنه في المسجد العتيق، حيث ظهرت عليه مبكرا علامات النبوغ وحب العلم.

إشارات روحية وبداية الرحلة إلى الأزهر

روى الإمام الجعفري أنه قبل سفره إلى الأزهر، وقعت له إشارات روحية عميقة، كان لها أثر بالغ في توجيهه إلى مصر، حيث رأى في منامه الشيخ عبد العالي الإدريسي رضي الله عنه، يحثه على السفر وطلب العلم من صدور الرجال لا من بطون الكتب.

كما رأى السيد أحمد بن إدريس يقول له: «الله معك اقرأ فقه المذاهب الأربعة»، وهو ما فُسِّر له آنذاك بالسفر إلى الجامع الأزهر، حيث تُدرس المذاهب الفقهية الأربعة، وقد تحققت هذه الرؤيا بالفعل.

رحلة شاقة في سبيل العلم

شد الشيخ صالح الجعفري الرحال إلى مصر في رحلة شاقة، عانى فيها مشقة السفر وطول الطريق بين السودان ومصر في ذلك الزمن، وكان عمره آنذاك يقارب العشرين عاما، وقد ترك أهله وولده طلبا للعلم.

وخلد هذه الرحلة في قصيدته الشهيرة «البردة الحسنية الحسينية» في مدح آل البيت، معبرا فيها عن شوقه ومحبته وصدق توجهه.

في رحاب الأزهر الشريف

التحق الإمام الجعفري بالأزهر الشريف، ولازمه ملازمة تامة، فنهل من علومه المختلفة، وتتلمذ على كبار علمائه، وكان حريصًا على استثمار وقته كله في التعلم والحضور في مجالس العلم.

ووصف بنفسه برنامجه اليومي، حيث كان يبدأ بحضور الدروس عقب صلاة الفجر، ثم ينتقل بين الأزهر ومسجد الإمام الحسين، في مشهد يعكس شغفه بالعلم والتلقي عن أهله.

من طالب علم إلى أستاذ وخطيب الأزهر

لم يقتصر دور الشيخ الجعفري على التحصيل فقط، بل سرعان ما برز علمه وصدق موعظته، فالتف حوله طلاب العلم ومحبو الذكر، حتى جاءت اللحظة الفارقة عقب وفاة شيخه العلامة يوسف الدجوي سنة 1365 هـ.

ففي جنازة شيخه، ألقى الإمام الجعفري مرثية مؤثرة، شهد لها كبار العلماء، وعلى رأسهم شيخ الأزهر آنذاك مصطفى عبد الرازق، الذي أعجب بفصاحته وعلمه، فبادر بتعيينه مدرسا وخطيبا بالجامع الأزهر الشريف.

إمام أزهري وقطب صوفي

ارتقى الشيخ صالح الجعفري منبر الأزهر خطيبا، وجمع بين العلم والتصوف، فكان نموذجا للعالم الرباني الذي يوازن بين الشريعة والحقيقة، ويؤكد أن التصوف الصحيح هو تزكية للنفس والتزام بالكتاب والسنة.

وأسس الطريقة الجعفرية الأحمدية، التي انتشرت في مصر وخارجها، ولا تزال تعاليمه ومؤلفاته ومجالسه حاضرة في وجدان مريديه ومحبيه.

إرث علمي وروحي ممتد

لا تزال سيرة الإمام الشيخ صالح الجعفري حاضرة بقوة، شاهدة على عالم جمع بين النسب الشريف، والعلم الغزير، والتربية الروحية، وخدمة الأزهر وآل البيت، ليبقى اسمه علامة مضيئة في تاريخ التصوف السني والأزهر الشريف.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق