تامر أفندي يكتب: أنا و"هاشم" وعلي" بين الحياة والموت

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لم أكن اعرفه شخصيا فكل علاقتي به كانت من خلال دار "ميريت" وإصداراتها التي كانت بمثابة صحوة أدبية التف حولها الكثير من المثقفين، وقدمت للوسط الثقافي ولمصر العديد من الكتاب والأدباء..

قرأت وتابعت لسنوات كل إصداراتها.. لكني لم التق الأستاذ محمد هاشم إلا منذ عام حينما طلب مني الدكتور عبد الرحيم علي، الذهاب إليه لإحضار عدد من الكتب.. وحين ذهبت كانت الكتب تأن وصاحب الدار يسترجع الحكايات مع كل عنوان ويشير إلى مواضع جلوس الرفاق.. يقلب في الذاكرة والسنوات وهو يكتب لي قائمة بالكتب.. أين ذهب هؤلاء جميعا؟.. وكيف تلاشى هذا الحلم ولماذا شاخت "ميريت" وتحولت لأطلال تسكن صاحبها ويسكنها؟.. كانت المحاولة هذه وبعدها العديد من المحاولات من "علي" ربما لإحياء ذكرى أو لإهداء بسمة لصديق.. كان حريصا على دفعي للتواصل الدائم مع الأستاذ محمد هاشم ومتابعة ٱحواله وشراء ما أمكن من كتب كل شهر ومداومة الاطمئنان عليه.. وحينما أغلق "هاشم" المكان، طلب مني الدكتور عبد الرحيم البحث معه عن مكان آخر.. وفي كل مرة كنت أقابل فيه الأستاذ محمد هاشم أو أتحدث مع الدكتور عبد الرحيم علي كانا يحكي كل منهما عن الآخر حكايات مفعمة بالحب عن أولويات الحرف.. عن المحن والمنح والتحدي والإصرار.. عن مصر التي كانت تولد مع بزوغ كل فجر على السطر.. عن ضريبة الكلمة.. عن معنى الأمل.. عن الحبر الذي اختلط بالعرق.. عن سر الصناعة.. عن الإبداع والمبدعين وما تجرعوه من مرار وما حققوه من انتصار.. رأيت الوجه الآخر الذي لا يراه إلا القلة وعشت معهما ما كان وتألمت لما آلت إليه الأحوال وتمنيت لو أني كنت في هذا الزمان.

تكررت الجلسات وكان آخرها في منزل الدكتور عبد الرحيم علي بمنزله في العجوزة.. وكأنها كانت جلسة الوداع.. استعاد الجمع كل لحظات الفرح.. أعادوا ترتيب الحرف ووضعوا الكلمة المناسبة لجملة تليق بهم.. لم يأتوا من فراغ ولم يكونوا أبدا حالة.. بل كانوا واقعا دفعوا ثمنه غاليا.. ستبقى أسماءهم ما بقي الدهر وبقيت الحياة فهم لم ينقشوها على صفحة ماء بل حفروها في الصخر وعلى متون الزمن وتحدوا حتى الموت ليصنعوا لهم سبيلا في الحياة.

سيصيغ هذا الجيل عنهم النعي ويكرر سطورا عن العزاء.. سبذكر الاسم وبعض العناوين في قالب مقيت لصحافة هذا الزمن الذي تفتقد الروح.. ولن يدرك هؤلاء أننا إذ نودع واحد من هؤلاء فنحن نودع قطعة من روح مصر؟.. فهلا بكينا بكاء يليق بالوداع؟.. فهلا حافظنا على ما تبقى من هذه الروح!.


لا أعرف إذا كنت الآن أبكي على وداع "ميريت"، أم أبكي على احتضار حلم "البوابة".. الوجع واحد فيبدو أننا في زمن تتهاوى فيه الشوامخ.

وأخيرا وأني أعي ما أقول لم يكن محمد هاشم شخصا عاديا.. ولم يكن عبد الرحيم علي ورفاقه كذلك بل كانوا جميعا جزء من تاريخ مصر.. والعجب ليس في أننا جيل لم تكن له القدرة على كتابة التاريخ وحسب بل حتى لم نكن حفظة عليه.. لم نعرف قدرههم ولا قدره ولم نرى ونقرأ من الكتب إلا عناوين الأغلفة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق