بعد مرور عام كامل على سقوط الأسد، تقف سوريا اليوم عند مفترق طرق تاريخي بين تحديات الانتقال الثقيلة وبوادر نهوض حذر لم تشهده البلاد منذ عقود. ويمثل عام على سقوط الأسد محطة مفصلية في تاريخ الدولة السورية، حيث انتقلت البلاد لأول مرة من حكم استبدادي مطلق إلى مرحلة انتقالية تدار خارج منطق الأجهزة الأمنية والسلطة الفردية. ورغم أن سقوط الأسد أنهى حقبة طويلة من القمع والانغلاق، إلا أن كثيرين يرون أن إسقاط النظام لم يكن سوى بداية مسار معقد لبناء دولة قادرة على التعافي والصمود.
عام على سقوط الأسد حمل معه مشاعر متباينة داخل المجتمع السوري، تراوحت بين فرحة الخلاص من منظومة حكم امتدت لأكثر من خمسين عامًا، وقلق مشروع من واقع اقتصادي ومعيشي صعب فرضته سنوات الحرب والانهيار المؤسسي. وفي هذا السياق، تبدو سوريا اليوم خليطًا من الأمل الحذر والعمل التدريجي، وسط بيئة إقليمية ودولية بالغة الحساسية.
على الصعيد الخارجي، يشير مراقبون إلى أن عام على سقوط الأسد شهد اختراقًا سياسيًا لافتًا، مقارنة بسنوات طويلة من العزلة الدولية. فقد نجحت القيادة الانتقالية برئاسة أحمد الشرع في كسر الطوق الدبلوماسي المفروض على سوريا منذ أكثر من 14 عامًا، وإعادة إدماج دمشق في المشهد الدولي. ويرى محللون أن استقبال قادة دول كبرى للشرع، وتصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي وصفه فيها بـ“الصديق” و“الرجل القوي”، تعكس تغيرًا واضحًا في الموقف الدولي تجاه سوريا ما بعد الأسد.
كما أن انخراط دمشق في التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، وبناء علاقات متوازنة مع عواصم مؤثرة مثل واشنطن وموسكو وباريس والرياض وأنقرة، يمثل رصيدًا سياسيًا مهمًا يمكن البناء عليه لتعزيز الاستقرار وحماية السيادة السورية.
داخليًا، لا يخلو المشهد من التباينات والانتقادات، إلا أن الفارق الجوهري بعد عام على سقوط الأسد يتمثل في أن هذه الخلافات باتت تناقش علنًا. ويؤكد محللون سياسيون أن التحدي الأساسي يكمن في تحويل المكاسب الخارجية إلى شرعية شعبية واسعة، تقوم على مؤسسات فاعلة، وتمثيل سياسي أوسع، وقضاء مستقل، وهي متطلبات طبيعية لأي دولة خارجة من حكم شمولي طويل.
أمنيًا، لا تزال البلاد تواجه واقعًا حساسًا، إلا أن المقاربة الأمنية الجديدة باتت تطرح في إطار بناء مؤسسات الدولة، لا القمع المنهجي الذي ميز عهد الأسد. وتشير آراء فكرية إلى أن مناقشة الأخطاء والانتهاكات علنًا ومحاسبة المسؤولين عنها تمثل سابقة لم تعرفها سوريا لعقود.
اقتصاديًا، ورثت الحكومة الانتقالية اقتصادًا شبه منهار، استنزفته العقوبات والفساد وسوء الإدارة. ورغم بطء تدفق الاستثمارات، يؤكد خبراء أن ما تحقق خلال عام على سقوط الأسد فاق التوقعات، سواء على صعيد الإصلاحات أو إعادة هيكلة الاقتصاد، مع توقعات بانعكاس تدريجي لهذه السياسات على المستوى المعيشي.
بعد عام على سقوط الأسد، قد لا تكون سوريا وصلت بعد إلى الدولة التي يحلم بها أبناؤها، لكنها بلا شك خرجت من نفق مظلم طال أمده. وبين تعثر ونهوض، يبقى الثابت أن ما بعد الأسد، رغم صعوبته، يمثل فرصة حقيقية لسوريا مختلفة عن تلك التي عرفها السوريون لعقود.









0 تعليق