تزداد علاقة البشر بالشوكولاتة عمقًا كلما تقدّم الزمن، فتتحوّل من مجرد حلوى لذيذة إلى تجربة حسية ونفسية معقدة تُحرّك المشاعر وتؤثر في الحالة المزاجية، وتدفع هذه الشعبية غير العادية الباحثين إلى محاولة فهم أسباب انجذاب الناس إلى هذا الطعام تحديدًا دون غيره، خصوصًا أن تأثيره يتجاوز الإشباع الغذائي ليصل إلى مناطق العاطفة والذاكرة والتحفيز العصبي.
وتكشف الدراسات أن للشوكولاتة قدرة فريدة على الجمع بين التركيب الكيميائي المحفّز والمتعة الحسية والإشباع العاطفي، وهو ما تؤكده تحليلات “Harvard Medical School” حول المواد المؤثرة في الدماغ الموجودة داخل الشوكولاتة.
كيف تؤثر الشوكولاتة في الصحة والحالة النفسية؟
تبدأ الشوكولاتة في التأثير على الجسم فور تذوّقها عبر تفاعل مجموعة من المركبات الطبيعية، وتُطلق الكاكاو مركبات مثل الثيوبرومين والفينيثيلامين التي ترفع نشاط الجهاز العصبي وتُحفّز الشعور باليقظة والمتعة، وتُنشّط هذه المركبات إفراز الإندورفين، وهو الهرمون المسؤول عن تحسين المزاج وتقليل الشعور بالألم، وتُعزّز النكهات الدافئة للشوكولاتة هذا الإحساس من خلال تأثيرها المباشر على مستقبلات المتعة في الدماغ، ما يجعل تناولها تجربة مريحة نفسيًا.
وتبدأ العوامل الحسية دورًا مهمًا في تفسير حب الناس للشوكولاتة، وتُثير الملمس الناعم الذي يذوب في الفم استجابة فورية تمنح إحساسًا بالتلذّذ، وتُسهم الرائحة العميقة للكاكاو في تحفيز مراكز الذاكرة العاطفية، فتربط الشوكولاتة بمشاعر الدفء والراحة والذكريات السعيدة، وتُؤثر هذه التجربة متعددة الحواس في رفع معدل الإشباع النفسي، حتى قبل أن يبدأ الجسم في الاستفادة من مركّبات الشوكولاتة نفسها.
وتدخل العوامل النفسية بصورة واضحة في هذا الارتباط، وتُلبّي الشوكولاتة حاجة الإنسان الطبيعية للبحث عن الأطعمة التي تمنحه إحساسًا فوريًا بالسعادة، وتُساعد طبيعتها السكرية والدهنية على تقديم طاقة سريعة تُخفّف الشعور بالتوتر والقلق، وتُنمّي بعض العادات الاجتماعية هذا الارتباط، إذ يرتبط تناول الشوكولاتة بالاحتفالات والمناسبات والهدايا، ما يعزّز الجانب العاطفي المتعلق بها ويجعله جزءًا من الشعور بالمكافأة الذاتية.
وتُبرز العوامل الغذائية نفسها جانبًا آخر من تفسير هذا الحب، وتُوفّر الشوكولاتة الداكنة نسبة عالية من مضادات الأكسدة التي تقاوم الالتهابات وتُساهم في دعم صحة القلب، وتُمدّ الجسم بالعناصر التي ترفع تدفق الدم مثل الفلافونويد، ما يُحسّن التركيز ويُعزّز الوظائف الدماغية، وتُساعد هذه الفوائد الصحية في جعل الشوكولاتة مقبولة نفسيًا لدى الكثيرين لأنها تُقدّم متعة لا تخلو من قيمة غذائية.
وتُفسّر البيولوجيا بدورها سبب صعوبة مقاومة الشوكولاتة، وتُحفّز نسبة السكر الموجودة فيها نظام المكافأة في الدماغ الذي يدفع الإنسان إلى تكرار السلوك المبهج، وتُسرّع الدهون عملية الذوبان في الفم فتُعطي إحساسًا بالراحة، بينما تُنشّط المركبات الكيميائية إحساسًا داخليًا بالاسترخاء.
0 تعليق