أبوبكر الديب يكتب: صوت واشنطن في القاهرة.. دبلوماسية تفتح آفاق التعاون

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تكتسب العلاقات المصرية – الأمريكية مكانة خاصة في المشهد الجيوسياسي الإقليمي والدولي، نظرًا لثقل مصر السياسي وموقعها الاستراتيجي ودورها المحوري في الشرق الأوسط.

وفي قلب هذه العلاقات، يبرز الدور الحيوي للسفيرة الأمريكية في القاهرة، هيرو مصطفى، التي جاءت إلى المنطقة محمّلة برؤية واضحة تسعى إلى ترسيخ شراكة مستدامة تقوم على المصالح المتبادلة وتعزيز الاستقرار والتنمية.

وقد تمكنت خلال فترة وجيزة من تقديم نموذج فاعل للدبلوماسية الحديثة، التي لا تكتفي بإدارة الملفات التقليدية، بل تسعى لفتح مسارات جديدة وقنوات أوسع للتواصل بين الشعبين.

وأبدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تقديرًا واضحًا لمصر وللرئيس عبد الفتاح السيسي، معتبرًا القاهرة شريكًا محوريًا في استقرار الشرق الأوسط ومحاربة الإرهاب.. وقد عبّر ترامب في أكثر من مناسبة عن احترامه لقيادة السيسي وللدور الذي يلعبه في تعزيز الأمن ومكافحة التطرف، مؤكدًا أن واشنطن تنظر إلى مصر باعتبارها قوة إقليمية لا غنى عنها في معادلات المنطقة.. هذا التقدير السياسي عكس اعترافًا أمريكيًا بالدور المصري في حماية التوازنات الاستراتيجية، ودعم جهود التنمية والإصلاح الاقتصادي، ما جعل العلاقات بين البلدين خلال تلك الفترة تتسم بدرجة عالية من التفاهم والانسجام في الملفات الحيوية المشتركة.

ومنذ اللحظة الأولى لوصولها إلى القاهرة، حرصت هيرو مصطفى على قراءة مكونات المشهد المصري قراءة دقيقة، ملامسةً نبض الدولة والمجتمع، وقامت ببلورة منهج يزاوج بين دعم الاستقرار الإقليمي وتفعيل برامج التعاون الاقتصادي والثقافي والتنموي. هذا النهج لم يكن مجرد خطوات بروتوكولية، بل امتد ليشمل مبادرات نوعية كان لها أثر مباشر على مسار العلاقات الثنائية.

ولعبت السفيرة دورًا مركزيًا في توسيع دائرة الاتصالات السياسية بين البلدين، عبر سلسلة لقاءات مكثفة مع كبار المسؤولين المصريين، وقد نجحت من خلال هذا الحراك الدبلوماسي في خلق مساحة أوسع للحوار الاستراتيجي، خصوصًا فيما يتعلق بالملفات الإقليمية الساخنة مثل أمن البحر الأحمر، الأزمة الفلسطينية – الإسرائيلية، استقرار ليبيا، وقضايا الطاقة والأمن الغذائي.

 

لم تكتفِ السفيرة بنقل رسائل سياسية، بل تحركت بمنهج "الدبلوماسية التفاعلية"، التي تبحث عن نقاط الالتقاء والقدرة على بناء توافقات في القضايا ذات الاهتمام المشترك.. وبرز ذلك في تعزيز التعاون داخل الأطر متعددة الأطراف، وفي دعم مساعي القاهرة لحل النزاعات الإقليمية بطرق سلمية، في الوقت الذي تؤمن فيه واشنطن بأهمية الدور المصري في تحقيق توازنات إقليمية تمنع الانزلاق نحو الفوضى.

واحدة من الركائز الأساسية في تحركات السفيرة كانت الدفع بعجلة التعاون الاقتصادي، عبر تشجيع الشركات الأمريكية على الاستثمار في مصر، والترويج للفرص المتاحة في مجالات التكنولوجيا والطاقة والنقل الذكي والأمن السيبراني. وقد حرصت على المشاركة في عدد من الفعاليات الاقتصادية، موجهة رسائل واضحة مفادها أن مصر سوق واعدة تحتاج إلى مزيد من الانخراط الأمريكي.

كما كان للسفيرة دور ملموس في توسيع أنشطة الجوانب التنموية، عبر دعم مشروعات البنية التحتية والخدمات الأساسية في بعض المحافظات، إلى جانب مبادرات تستهدف تمكين المرأة والشباب، والتعليم الفني والمهني. هذا الدعم يسهم في الانتقال من "دعم تقليدي" إلى "شراكة تنموية" قائمة على استدامة وفاعلية حقيقية.

أدركت هيرو مصطفى غارغ منذ البداية حساسية البعد الثقافي في العلاقات بين مصر والولايات المتحدة، وتقارب القيادتين السياسيتين، الرئيس عبد الفتاح السيسي، والرئيس دونالد ترامب، فعملت على توسيع نطاق برامج التبادل الثقافي والتعليمي، وترسيخ حضور المنح الأكاديمية والتبادل الأكاديمي بين الجامعات الأمريكية والمصرية.. كما فتحت الباب أمام شراكات بحثية مشتركة في مجالات عدة، من شأنها أن تعزز مهارات الشباب المصري وتفتح أمامهم آفاقًا أوسع للمستقبل.

ولم تجعل السفيرة التعليم في إطار "علاقات رسمية" فقط، بل اعتبرته "رافعة استراتيجية" لبناء جيل جديد قادر على الابتكار والمساهمة في مسار التنمية، مما يعمق الشراكة بين الشعبين على مستوى الأفراد، وليس فقط الحكومات.

وتميّزت السفيرة بارتباطها الوثيق بملف تمكين المرأة، وسعت إلى دعمه من خلال مبادرات مبتكرة شملت تدريب رائدات الأعمال، وتوفير دعم للمشروعات الصغيرة التي تقودها نساء، إلى جانب برامج مجتمعية تهدف إلى تحسين الخدمات في المناطق التي تحتاج دعمًا.. وهذا الاهتمام يعكس رؤية إنسانية تنظر إلى التنمية باعتبارها قضية مجتمعية، وليس مجرد تعاون اقتصادي أو سياسي.

وقد دعمت السفيرة أيضًا الحوار المفتوح حول دور المرأة في المجتمع المصري، وعملت على تسليط الضوء على أهمية الاستثمار في قدرات المرأة والشباب، باعتبارهما حجر الزاوية في أي تنمية واقعية ومستدامة.

وفي ظل تحديات أمنية معقدة تواجه المنطقة، كان للسفيرة دور محوري في تعزيز الشراكة بين القاهرة وواشنطن، في مجالات تبادل المعلومات، دعم القدرات في مكافحة الإرهاب، وقد وضعت السفيرة هذا التعاون في إطار رؤية أشمل تسعى إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي ومنع انتشار التهديدات العابرة للحدود.

هذا التعاون أكد أن العلاقات المصرية – الأمريكية ليست مجرد مصالح اقتصادية أو سياسية، بل تمثل عنصرًا أساسيًا للأمن الإقليمي والدولي.

وتميّزت هيرو مصطفى بنهج غير تقليدي في العمل الدبلوماسي، إذ حرصت على الخروج من نطاق العاصمة ولقاء شرائح واسعة من المصريين في محافظات مختلفة.. هذا الحضور الميداني لم يقتصر على الفعاليات الرسمية، بل شمل لقاءات مع مجتمع مدني، شباب، نساء، ومؤسسات محلية، وهو ما ساعد على تعزيز جسور الثقة بين السفارة والمجتمع، وفهم احتياجات المصريين عن قرب.

كما ساهم هذا التواصل المباشر في توجيه البرامج الأمريكية نحو أولويات محلية حقيقية، بما يعكس احترامًا لخصوصية المجتمع المصري ورغبة في بناء شراكة حقيقية، لا مجرد علاقات ديبلوماسية سطحية.

ويمكن القول إن الدور الذي تؤديه هيرو مصطفى كسفيرة للولايات المتحدة في القاهرة تجاوز مهامها التقليدية، ليصبح نموذجًا للدبلوماسية النشطة التي تسعى إلى بناء شراكة استراتيجية حقيقية بين البلدين.. فهي تعمل على دعم الاستقرار، تحفيز الاقتصاد، تمكين المجتمع، وتعزيز التعليم، وتوسيع الحوار السياسي، ما يجعل العلاقات المصرية الأمريكية أكثر توازنًا وفاعلية.

وتمثل جهودها رسالة واضحة بأن واشنطن ترى في القاهرة شريكًا أساسيًا لا يمكن تجاوزه في الشرق الأوسط، وأن المستقبل يحمل فرصًا كبيرة للتعاون إذا ما استمرت هذه الدبلوماسية الإيجابية التي تضع المصالح المشتركة في قلب العلاقة.

وفي أول نصف من السنة المالية  2024 - 2025، وصل إجمالي التبادل التجاري بين مصر وشركائها التجاريين إلى نحو 64.9 مليار دولار، ومن هذا الإجمالي شكّلت التجارة بين مصر والولايات المتحدة واحدة من أهم الشراكات التجارية، حيث بلغ حجم التبادل بين البلدين نحو 5.838 مليارات دولار، بما يشمل واردات مصر من الولايات المتحدة بقيمة تقترب من 3.890 مليارات دولار، وصادرات مصر إليها بنحو 1.947 مليار دولار. وفي العام 2024 كله، سجل حجم التجارة بين مصر والولايات المتحدة نحو 8.6 مليارات دولار، بزيادة تقارب 25% مقارنة بالعام السابق، وهو ما يعكس قوة العلاقات الاقتصادية واتساع نطاق التبادل في مختلف القطاعات.

وتشير البيانات الحديثة إلى أن غالبية الصادرات المصرية إلى الولايات المتحدة تتمثل في قطاع النسيج والملابس الجاهزة، الذي يمثل نحو 55% من إجمالي الصادرات المصرية إلى السوق الأمريكي، بقيمة تقترب من 1.4 مليار دولار خلال عام 2024، بينما تواصل باقي القطاعات الصناعية والزراعية تحقيق معدلات نمو متدرجة.

أما فيما يتعلق بالاستثمارات، فقد سجلت الولايات المتحدة في السنة المالية 2023 - 2024 ما يقارب 3 مليارات دولار من الاستثمارات المباشرة في مصر، لتصبح ثاني أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر، بما يمثل نحو 5.3% من إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي إلى مصر. ويعزز هذا الاتجاه استمرار ثقة الشركات الأمريكية في السوق المصرية باعتبارها واحدة من أكثر الأسواق جذبًا في الشرق الأوسط.

كما تظهر البيانات أن عدد المشروعات غير البترولية التي أنشأتها الشركات الأمريكية في مصر بلغ نحو 2،016 مشروعًا، بإجمالي رأسمال يصل إلى نحو 2.5 مليار دولار حتى نهاية فبراير 2025، وهو ما يعكس توسع الحضور الأمريكي في قطاعات الصناعة والخدمات والتكنولوجيا والطاقة المتجددة.

هذه الأرقام تدعم تحليل "دبلوماسية الفرص" التي تمثّلها السفيرة الأمريكية في القاهرة، إذ تشير بوضوح إلى أن الولايات المتحدة ليست مجرد شريك رمزي أو سياسي لمصر، بل شريك اقتصادي حقيقي تتنامى تجارته واستثماراته عامًا بعد آخر.

كما أن تركيز الاستثمارات الأمريكية في عدد من القطاعات غير البترولية يثبت أن الشراكة بين البلدين تتجاوز إطار الطاقة أو الموارد الطبيعية لتشمل التكنولوجيا والصناعة والخدمات، وهو ما يتوافق مع الرؤية التي تقوم على بناء "شراكة تنموية" وليست "استثمارات تقليدية" فقط.

وتبرز دلالة أخرى مهمة، وهي أن صادرات مصر من الملابس الجاهزة والنسيج إلى السوق الأمريكية تعكس قدرة الاقتصاد المصري على الاستفادة من التسهيلات التجارية والاتفاقيات الصناعية، وهو ما يدعم الخط الدبلوماسي الذي يسعى إلى تعزيز التصدير وتنويع الأسواق، ويمثل إحدى دوائر النجاح التي تعمل الدبلوماسية الاقتصادية على توسيعها.

ورغم هذا التطور الإيجابي، لا بد من الإشارة إلى بعض الملاحظات التحليلية التي يجب أخذها في الحسبان، فهناك فجوة واضحة في الميزان التجاري لصالح الولايات المتحدة، حيث تستورد مصر أكثر بكثير مما تصدره، وهو ما يجعل العمل على زيادة الصادرات المصرية - خاصة الصناعية والزراعية عالية القيمة - هدفًا ضروريًا لتحسين التوازن التجاري. كما أن الاعتماد على الاستثمارات الأجنبية المباشرة -  رغم أهميته - لا يمكن أن يكون المحرك الوحيد للتنمية، بل لا بد من ربطه بالقدرة المحلية على جذب التكنولوجيا وبناء قدرات بشرية قادرة على إدارة هذه الاستثمارات وتحويلها إلى قيمة مضافة داخلية.

كما أن اعتماد جانب كبير من الصادرات المصرية إلى الولايات المتحدة على قطاع الملابس الجاهزة يشير إلى ضعف تنويع هيكل الصادرات، وهو ما قد يمثل تحديًا في حال تغير السياسات التجارية أو الرسوم الجمركية، مما يتطلب توسيع قاعدة الإنتاج القابل للتصدير وتطوير صناعات ذات قيمة مضافة أعلى.

وبذلك تقدم هذه المؤشرات صورة متكاملة تُظهر مسارًا اقتصاديًا يتقدم بثبات، لكنه يحتاج إلى تعزيز عبر سياسات إنتاجية وتصديرية أكثر تنوعًا، في الوقت الذي تستمر فيه الدبلوماسية النشطة في فتح آفاق جديدة للعلاقات الاقتصادية بين مصر والولايات المتحدة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق