تقلص العجز التجاري في الولايات المتحدة خلال شهر أغسطس الماضي بأكثر مما توقعه المحللون، وذلك مع تراجع ملحوظ في قيمة الواردات، رغم المخاوف من أن يؤثر ضعف النشاط التجاري على وتيرة النمو الاقتصادي في الربع الثالث من العام. وبحسب البيانات الرسمية الصادرة في 19 نوفمبر، فقد انخفض العجز التجاري بنسبة 23.8% ليصل إلى 59.6 مليار دولار، مقارنة بالشهر السابق، في واحدة من أكبر الانخفاضات المسجلة خلال العام.
وذكر مكتب الإحصاء الأمريكي أن تراجع الواردات كان العامل الأكثر تأثيرًا في تقليص العجز، حيث انخفضت واردات السلع والاستهلاك الصناعي ومواد التجهيز بشكل واضح، في وقت ألقت فيه الظروف المالية العالمية وارتفاع تكلفة التمويل بظلالها على مستويات الطلب الداخلي.
وفي المقابل، لم ترتفع الصادرات بنفس الوتيرة التي كان يأملها المستثمرون، رغم تحسن محدود في بعض القطاعات مثل الصناعات التحويلية والمنتجات الزراعية. ويرى محللون أن عدم حدوث قفزة قوية في الصادرات يحد من قدرة التجارة على دعم النمو الاقتصادي خلال الفترة المقبلة.
توقعات النمو الاقتصادي للربع الثالث
ورغم أن تراجع العجز التجاري يعطي عادة دفعة للناتج المحلي الإجمالي، فإن الخبراء يرون أن تأثير ذلك قد يكون محدودًا هذه المرة، في ظل توقعات بركود نسبي في حركة التجارة الدولية خلال الربع الثالث. وتأتي هذه التوقعات مدفوعة بعوامل شملت انخفاض الشحنات الدولية، وارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية إلى مستويات لم تشهدها الأسواق منذ أكثر من عقدين، بالإضافة إلى تباطؤ الطلب العالمي.
ووفق تقديرات اقتصادية أولية، فإن التجارة الخارجية قد تكون عنصر ضغط على النمو الاقتصادي في الربع الثالث، خصوصًا إذا استمرت الواردات في التراجع على حساب النشاط الصناعي الأمريكي، وهو ما يتزامن مع بيانات أخرى أظهرت تباطؤ التوظيف وارتفاع طلبات إعانات البطالة في أكتوبر.
تأثير أسعار الصرف والسياسات النقدية
وتأثرت التجارة أيضًا بقوة الدولار خلال الفترة الماضية، ما جعل السلع الأمريكية أقل تنافسية نسبيًا في الأسواق العالمية. ويتوقع اقتصاديون أن تظل الضغوط على التجارة قائمة طالما ظل الاحتياطي الفيدرالي متمسكًا بسياسة نقدية متشددة تهدف إلى السيطرة على التضخم، رغم ظهور إشارات تباطؤ في المؤشرات الاقتصادية الأساسية.
وفي هذا السياق، تشير توقعات بنوك الاستثمار إلى أن الفيدرالي قد يبقي على أسعار الفائدة الحالية لفترة أطول مما كان متوقعًا، وهو ما قد يعمق التباطؤ في حركة التجارة وقيمة الصادرات الأمريكية، خصوصًا في ظل استمرار ضعف الطلب من الشركاء التجاريين الكبار مثل أوروبا وآسيا.
مستقبل التجارة الأمريكية
ويرى محللون أن الأشهر المقبلة ستكون حاسمة في تحديد اتجاه التجارة الأمريكية، خصوصًا مع انتظار بيانات الربع الرابع واستيعاب الأسواق لتأثير التشديد المالي والمخاوف من تباطؤ اقتصادي عالمي. ويرجح الخبراء أنه في حال استمرار تراجع الواردات دون تحسن جوهري في الصادرات، فقد يبقى العجز التجاري عند مستويات منخفضة، لكن على حساب النشاط الاقتصادي المحلي.
في المقابل، إذا نجحت الولايات المتحدة في تحفيز سلاسل الإمداد وتشجيع الشركات الصناعية على زيادة الإنتاج الموجَّه للتصدير، فقد تلعب التجارة دورًا أكثر إيجابية في دعم النمو الاقتصادي مع بداية العام المقبل.













0 تعليق