بعد افتتاح المتحف المصري الكبير والإقبال الكبير الذي شهده في الأيام الأولى من الافتتاح تقدم البوابة نيوز “فيلم وثائقي” يستعرض كيف تم بناء أعظم متحف في تاريخ البشرية ونأخذكم في جوله لاكتشاف بعض من أسرار التاريخ التي كشف المتحف الستار عنها.
هل تتخيل أن العالم بأسره، بتاريخِه وحاضره، يقف اليوم أمام بوابة واحدة؟ بوابة لو فتحت، لانطلق منها صدى سبعة آلاف عام من المجد والدهشة!
إنه ليس مشهدًا من فيلم خيالٍ علمي، بل واقع مصري يُبهر العيون والعقول معًا.
من قلب الصحراء الغربية للقاهرة، نهض أضخم صرحٍ ثقافي على وجه الأرض، لينطقَ باسم أمةٍ لم تزل منذ فجر التاريخ تقول للعالم: «هنا تُصنع الحضارة… وهنا لا يموت الزمن.»
كانت الرمالُ تغطي أسرارًا، وكان الحلم يبحثُ عن نافذةٍ تطلُ على الخلود، ومع مطلع التسعينيات، بدأ المخطط...
أن يُبنى متحفٌ جديد لا يكتفي بعرض الآثار، بل يرويها كما لو كانت على قيد الحياة، عقود من التصميم والتمويل والعمل الشاق، حتى تنفست الفكرة على أرضٍ تمتد على أكثر من خمسمئة ألف مترٍ مربع، بتكلفةٍ تجاوزت المليار دولار، في مشروعٍ جمع بين الفن، والعلم، والخيال.
هكذا وُلد المتحف المصري الكبير، أكبر متحفٍ في العالم مكرسٍ لحضارةٍ واحدة، صرحٌ ليس للحجارة، بل للروح المصرية التي تأبى النسيان.
من الجو، يبدو ككتلة هرمية هائلة تُشبه الزمنَ نفسَه، وفي مقدمته، يقف تمثال رمسيس الثاني أقوى ملوك مصر شامخا
كأنه البوابة الحية التي تعبر منها إلى بقية العصورٍ، حين تقترب منه، تتسلل إلى روحك رهبة لا تعرف مصدرها، هل هي هيبة الفراعنة الذين ما زالوا يراقبون من بين الجدران، أم ذلك الإحساس بأنك تقف على عتبة حلم ظل يتكون لسنوات؟.
يدخل الزائر القاعة الكبرى، فينسكب الضوءُ على الجدران كالذهبِ الذائب، تتردد الأصداء، وتبدأ الرحلة بين آلاف القطع التي تتكلم بلغاتٍ لا تُسمع، لكنها تُفهَم بالقلب.
هناك، في جناح ذهبي مُهيب، تتربع مجموعة الملك توت عنخ آمون بكل أسرارها، أكثر من خمس آلاف قطعةٍ وقطعة،
لم تُعرض من قبل بهذا الكمال والجلال، عرشُه المذهب... عصاه الملكية... صناديقه المرصعة.. ثم القناع الذهبي الشهير، الذي يلمع كوجه الشمس لحظة الشروق.
في تلك اللحظة، يدرك الزائر أن التاريخ ليس ماضيًا، بل نفس حي يتردد هنا، وعلى مسافة قصيرة،
تطفو مراكب خوفو الخشبية، التي تبلغ نحو 43.5 مترا، كأنها لا تزال تنتظر الإبحار، كل لوح خشبي فيها يحكي قصة،
قصة شعب كان يرى في الموت بداية حياة جديدة.
يتقدم الزائر نحو الدرج العظيم، فتطل وجوه الملوك من بين الأعمدة والنقوش: تحتمس الثالث الذي هزم إمبراطورياتٍ بسيفٍ من البرونز، أخناتون الذي غير مفاهيم العبادة والفن، وأمنحت الثالث، الملك الذي جعل من الجمال عقيدة تُعبد.
خمسون تمثال ونقش حجري على طول الدرج، كل حجر يقول: لقد كنا هنا... ونحن باقون.
لكن المتحف لا يقف عند حدود العظمة، بل يذهب إلى ما هو أعمق، في قلبه، مركز عالمي للترميم والحفظ،
تعمل فيه أيادٍ مصرية بمساعدة أجنبية، ورشة لأحياء الزمن، لقطع نُحتت قبل أربعة آلاف عام، وهنا، تتلاقى التكنولوجيا بالحجارة، فالعرض لم يعد صامتًا كما في المتاحف القديمة، شاشاتٌ تفاعلية، عروضٌ ثلاثية الأبعاد، وأجهزة واقعٍ معزز تنقلك داخل المقابر والقصور والمعابد، لتعيش تجربة الفرعون نفسه، وتسمع صوت الكهنة،
وتشاهد طقوس التتويج والخلود كأنك أحد الحاضرين.
وبداخل المتحف المصري الكبير مدينة صغيرة من المعرفة، فيها مكتبة رقمية ضخمة، ومدرج يستوعب الآلاف للعروض الثقافية، ومساحات للأطفال ليعرفوا أن التاريخ يمكن أن يكون لعبًا وتعلمًا في آنٍ واحد.
اقتصاديًا، المشروع يعد أكبر من كونه إنجازا أثريا، فقد بات المتحف مركز جذب عالميا، رفع من معدلات السياحة المصرية، وجذب الاستثمارات والفنادق والمطاعم حول الهضبة.
وتشير التقديرات إلى أنه سيضيف مئات الملايين من الدولارات سنويًا إلى الاقتصاد الوطني، لكن المكسب الحقيقي لا يُقاس بالأرقام، بل بعودة الثقة إلى هويةٍ كانت دائمًا أكبر من الزمن نفسه.
وفي لحظة الافتتاح الرسمي، توجهت أنظار العالم كلها نحو الجيزة، قنواتٌ دولية تبث مباشرة، وفودٌ من كل القارات،
وكلماتٌ تتردّد على ألسنة الجميع: «مصر عادت لتتحدث عن نفسها.»
العالم وقف مدهوشًا
مجلة ناشيونال جيوغرافيك وصفت المشروع بأنه "أعظم متحفٍ بُني في العصر الحديث."
أما اليونسكو فقالت: "إنه خطوةٌ عبقريةٌ في صون التراث الإنساني."
وفي تقارير إعلاميةٍ عالمية، اعتُبر المتحف المصري الكبير «الوجه الثقافي الجديد لكوكب الأرض».
لكن الأثر الحقيقي لا يظهر على الورق، بل في عيون الزائرين حين يخرجون من القاعة الأخيرة، تراهم صامتين، مأخوذين، كأنهم خرجوا لتوهم من رحلةٍ بين الحياة والموت، بين الحلم والحقيقة.
حين تغادر المكان، تسمع الصحراء من حولك تهمس: "ها أنا ذا، مصر التي لا تشيخ، كلما دفنني الغبار… ولدت من جديد."
المتحف المصري الكبير، ليس جدرانًا من حجر، بل قلبٌ نابضٌ بالحضارة، ليس نهاية قصةٍ عظيمة، بل بدايتها من جديد، من قلب الصحراء… قامت مصر، ومن رُكام القرون… رفعت للعالم بوّابةً إلى الخلود.
هنا... يولد الماضي كلّ يومٍ من جديد.
















































































0 تعليق