من الهامش إلى التأثير.. كيف صنعت دول نامية معجزاتها الاقتصادية؟

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في زمن تتحرك فيه الاقتصادات الكبرى بسرعة تعصف بالدول الأقل تطورًا، يبرز سؤال ملح: لماذا استطاعت دول مثل الصين وكوريا الجنوبية وفيتنام والهند وماليزيا أن تنتقل من خانة الدول النامية إلى مصاف الاقتصادات المؤثرة عالميًا، بينما لا تزال دول أخرى تراوح مكانها؟، هذا السؤال ليس مجرد بحث أكاديمي، بل هو مفتاح لمستقبل شعوب بأكملها.

الحقيقة أن التجارب الناجحة لم تكن نتاج الصدفة، بل كانت نتيجة قرارات جريئة، ورؤى واضحة، وإدارة اقتصادية ذات انضباط، هذه الدول دخلت “معمل التحول” وخرجت منه بشكل جديد، بينما بقيت دول أخرى سجينة البيروقراطية وغياب التخطيط.

كوريا الجنوبية: معجزة خرجت من بين أنقاض الحرب

بعد حرب الخمسينيات، كانت كوريا إحدى أفقر دول العالم، لكنّها اختارت طريقًا مختلفًا، التصنيع الموجه والتصدير المكثف، ولم تكتفِ بتطوير الصناعات الثقيلة، بل أسست لنهضة إلكترونية جعلت من سامسونغ وهيونداي علامات تتصدر الأسواق العالمية.

سر التجربة الكورية يكمن في معادلة بسيطة: تعليم قوي + دولة تخطط + قطاع خاص منضبط = اقتصاد عالمي.

الصين: أكبر عملية تحول اقتصادي في التاريخ المعاصر

حين قررت الصين عام 1978 الانفتاح على العالم، لم تكن تمتلك سوى قوة بشرية هائلة وبنية زراعية متواضعة، لكنها اتخذت القرار الأكثر جرأة، تحويل الدولة إلى مصنع العالم، وفتحت أبواب الاستثمار الأجنبي، وطورت بنية تحتية أسطورية، ثم قفزت خلال العقد الأخير إلى مجالات الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة، لتصبح ثاني أكبر اقتصاد عالمي.
تذكرنا تجربة الصين بأن حجم السكان ليس عبئًا… بل قوة إذا أحسنّا إدارتها.

الهند: الاقتصاد الذي تحرر من البيروقراطية

كانت الهند قبل عام 1991 مثالًا لدولة مثقلة باللوائح المعقدة والبيروقراطية الخانقة، لكن الإصلاحات الاقتصادية حررتها من هذا القيد، لتتحول لاحقًا إلى وادي سيليكون عالمي في مجال البرمجيات وخدمات تكنولوجيا المعلومات.

القوة الناعمة للهند كانت في التعليم واللغة الإنجليزية والمهارات الرقمية، ما جعلها مركزًا عالميًا لخدمات الشركات الكبرى.

فيتنام: النمر الجديد الذي صعد بصمت

فيتنام ليست دولة غنية بالموارد، لكنها غنية برؤية واضحة، حيث فتحت إصلاحات Doi Moiعام 1986 الباب أمام اقتصاد السوق وأعادت تشكيل الدولة.
اليوم، أصبحت مقصدًا للشركات العالمية التي تبحث عن بيئة إنتاج مستقرة وفعّالة، مثل أبل وسامسونغ.

ماليزيا: نهضة مخطط لها بعناية

رؤية مهاتير محمد لم تكن مجرد شعار، بل كانت خطة وطنية تهدف لتحويل الدولة إلى مركز صناعي وتكنولوجي، واستثمرت ماليزيا في الإلكترونيات، والطب الحيوي، وفي تحديث الزراعة، لتصبح واحدة من أهم اقتصادات جنوب شرق آسيا.

ما الذي يمكن أن تستفيده الدول النامية من هذه التجارب؟

  • وضع رؤية اقتصادية واضحة بعيدة عن تغيير الحكومات، حيث أن كل الدول الناجحة لديها "رؤية دولة" لا تتأثر بتغير الوزراء أو السياسات قصيرة المدى.
  • الاستثمار في التعليم كأولوية وطنية، ليس التعليم التقليدي، بل التعليم التقني والمهني والرقمي، ليس التعليم التقليدي، بل التعليم التقني والمهني والرقمي.
  • تحسين بيئة الاستثمار وتبسيط الإجراءات، لأن رأس المال يهرب من التعقيد… ويذهب إلى حيث تُحترم القوانين وتُختصر الخطوات.
  • تعزيز دور القطاع الخاص كشريك لا خصم، كما اعتمدت الصين وكوريا والهند على شركات قوية تقود التصدير.
  • التركيز على الصناعات التي تملك الدولة فيها ميزة تنافسية، فليس بإمكان أي دولة التميز في جميع القطاعات، لكن يمكنها تحقيق الريادة في مجال واحد ثم البناء عليه للتوسع لاحقًا.
  • التحول الرقمي ليس رفاهية… بل شرط للنمو.
  • الاستفادة من الموقع الجغرافي والموارد البشرية لأن المعادلة الاقتصادية تقول (موقع جيد + لوجستيات قوية = مركز تجاري عالمي).

وأخيرا.. رحلة هذه الدول تخبرنا أن النهضة الاقتصادية ليست حكرًا على أحد، وأن الفقر ليس قدرًا محتومًا، بل نتيجة خيارات.
الدول التي قررت القفز إلى المستقبل فكتب لها النجاح، وتلك التي ظلّت سجينة الروتين والقرارات المؤجلة بقيت في الخلف.

الطريق واضح…لكن الجرأة في اتخاذ القرار هي ما يصنع الفارق الحقيقي.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق