من السحب إلى الإعدام.. إنجازات مبادرة سحب الأدوية منتهية الصلاحية بالأرقام.. 80% من الصيدليات تشارك فى أكبر عملية تطهير دوائي .. خبراء: تقضى على الفوضى فى سوق الدواء

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 

في ظل هذا التحرك القومي التاريخي الذي أطلقته هيئة الدواء المصرية لسحب عشرات الملايين من الوحدات الدوائية منتهية الصلاحية والتخلص الآمن منها، يبرز تساؤل مهم حول الأثر الحقيقي والاستراتيجي لهذه المبادرة على المدى الطويل.

يرى مراقبون أن استخدام المنظومة الإلكترونية الموحدة لحصر المخزون التالف يمثل نقلة نوعية في أدوات الرقابة، ويحقق الشفافية المطلوبة لسد منافذ التلاعب والتهريب التي كانت تهدد سمعة الدواء المصري. كما أن التعامل الآمن مع هذا الحجم الضخم من المستحضرات يضمن الالتزام البيئي والصحي.

ولفهم أبعاد هذه الخطوة غير المسبوقة، وتحديد مدى مساهمتها في إعادة هيكلة سوق الدواء وتحصينه ضد الممارسات غير الشرعية، توجهنا إلى عدد من الخبراء الاقتصاديين والصيادلة والمتخصصين في الشأن الدوائي لتقييم المبادرة.

واعتبر خبراء صناعة الأدوية والمتخصصون أن المبادرة لم تكن مجرد حل مؤقت، بل إعادة هيكلة كاملة لملف إدارة صلاحية الدواء داخل مصر.

فى هذا السياق، تحدث الدكتور جمال الليثي، رئيس غرفة صناعة الدواء باتحاد الصناعات المصرية، مؤكدًا أن المبادرة جاءت فى توقيت حرج لإغلاق ملف اعتبره الجميع مكمن خطر.

أوضح الليثى أن تكدس الأدوية المنتهية الصلاحية داخل الصيدليات كان يمنح فرصة لعناصر غير شريفة للاتجار بها، سواء بإعادة تدويرها أو نقلها إلى أسواق خارجية تحت ستار مسميات مختلفة.

واعتبر أن المبادرة حملت رسالة واضحة لكل من يحاول العبث بالدواء: لا مجال لمحاولات التحايل بعد الآن. وأضاف أن الشركات المنتجة تعهدت بالتعاون الكامل فى السحب والتعويض، وأن الصناعة تقف فى صف الصيدلى والمريض معًا، لأن المتضرر الأول من تداول دواء غير صالح هو سمعة الصناعة قبل أى طرف آخر.

وأشار الليثى إلى أن السحب والتخلص من هذه الكميات يتم تحت إشراف فنى دقيق، وأن هناك إجراءات جودة يتم اتباعها قبل الإتلاف، منها فرز الأصناف، وتسجيلها، والتأكد من الإعدام فى محارق آمنة تتوافق مع المعايير البيئية.

وعن دور هيئة الدواء، أوضح أن الهيئة أنشأت قاعدة بيانات ضخمة تحتوى على كل الأصناف التى تم تسليمها، بما يضمن عدم تسريب أى عبوة إلى الخارج أو استخدامها بشكل آخر.

أما الدكتور ياسين رجائي، مساعد رئيس هيئة الدواء المصرية لشئون المؤسسات الصيدلية، فقد أكد أن المبادرة هى دليل عملى على ما يمكن أن يتحقق عندما تتعاون الدولة مع القطاع الخاص والصيدليات فى مشروع واحد.

وقال إن الهيئة لم تكتف بإصدار قرارات إدارية، بل طورت منظومة إلكترونية تتيح لكل صيدلية التسجيل دون تعقيدات، وأن فرق الدعم الفنى تواجدت فى محافظات الجمهورية لمساعدة الصيادلة الذين يحتاجون إلى إرشاد تقني.

وأشار إلى أن السحب سيتم على مدار ثلاثة أشهر، وأن الفرز لن يتجاوز ثلاثين يومًا من تاريخ استلام الشركات للمنتجات، بما يضمن سلاسة العمل دون تعطيل الحركة داخل الصيدليات.

وأضاف رجائى أن الهيئة أعدت خطًا ساخنًا لتلقى شكاوى المواطنين حول أى دواء مشكوك فى صلاحيته، وأن البلاغات يتم التعامل معها فورًا عبر مفتشى الهيئة. وأكد أن نجاح هذه المبادرة لا يعتمد فقط على الدولة، بل على وعى المواطنين، لأن وجود دواء منتهى الصلاحية فى المنازل أو مع الباعة الجائلين يشكل الخطر ذاته الموجود داخل الصيدليات.

وفى إطار متصل، قال الدكتور على عوف، رئيس الشعبة العامة للدواء بالاتحاد العام للغرف التجارية، إن المشكلة ليست جديدة، بل ممتدة منذ سنوات، وإن الصيدلى كان دائمًا هو الطرف الذى يتحمل الخسائر فى حال عدم وجود آلية للسحب. وأوضح أن شركات الأدوية يجب أن تكون ملزمة بسحب منتجاتها قبل انتهاء صلاحيتها بوقت كاف، حتى لا تتراكم الكميات داخل الصيدليات.

وأضاف أن الصيدلى ليس مذنبًا إذا انتهت صلاحية منتج اشترته للمريض، لأنه لا يستطيع معرفة حجم الطلب الفعلى مسبقًا، خصوصًا فى حالة الأدوية الموسمية أو الحالات التى تتغير فيها بروتوكولات العلاج.

وأكد عوف أن بعض الشركات كانت تتعامل مع المرتجعات ببطء، وهو ما أدى إلى تراكم مشكلات كبيرة فى السوق، لكن المبادرة الحالية وضعت قواعد صارمة للسحب، وتتعامل مع الملف بحزم لم تشهده السوق من قبل.

كما دعا عوف إلى استمرار هذه السياسة بشكل دوري، وألا تكون المبادرة استثناء، لأن السوق يحتاج إلى آلية شهرية أو ربع سنوية لإعادة المرتجعات، وهذا ما تطبقه كل الدول التى تمتلك أنظمة صحية قوية.

من جانبه، قدّم الدكتور محفوظ رمزي، رئيس لجنة التصنيع الدوائى بنقابة الصيادلة، رؤية موسعة حول الهدف الحقيقى للمبادرة، موضحًا أن جمع الأدوية المنتهية ليس هو الهدف النهائي، بل منع إمكانية إعادة تدويرها أو تهريبها.

وأشار إلى أن دولة مثل مصر، التى تمتلك صناعة دوائية كبرى وتحقق صادرات تتجاوز مليار دولار سنويًا، لا يمكن أن تسمح بأن تنتشر أخبار أو وقائع تتعلق بتهريب دواء غير صالح عبر تجار جملة أو سماسرة خارج المنظومة القانونية.

لذلك فإن المبادرة فى أحد أبعادها تحمى سمعة الدواء المصرى فى الأسواق الخارجية، وتؤكد للدول التى تستورد الأدوية المصرية أن الرقابة فى مصر ليست شكلية بل عملية ومستمرة.

٦٠ألف صيدلية سجلت بياناتها

وكشف رمزى أن أكثر من ٦٠ ألف صيدلية قامت بتسجيل بياناتها، وأن عدد الصيدليات التى أعلنت خلو مخازنها من أى دواء منتهى بلغ نحو ستة عشر ألف صيدلية، مما يعنى أن واحدة من كل ٤ صيدليات تقريبًا لا تحتفظ بأى أصناف غير صالحة.

وذكر أن المبادرة سجلت ما يقرب من ٢٠ مليون وحدة دوائية، وأنه تم سحب أكثر من ١٢ مليونًا بالفعل، بينما يجرى العمل على الباقى خلال الفترة الزمنية المحددة. 

وأشار إلى أن بعض الصيادلة واجهوا بطئًا من بعض الشركات، لكن الهيئة اتخذت إجراءات تحفيزية وضبطية لضمان الالتزام، وهو ما ساعد على تسريع وتيرة العمل.

ويرى الخبراء أنه بعيدًا عن الجانب الرقابي، فإن المبادرة تحمل بعدًا اقتصاديًا مهمًا. فوجود كميات كبيرة من الأدوية المنتهية داخل الصيدليات يمثل عبئًا ماليًا على أصحابها، لأن الصيدلى يشترى المنتجات من ماله الخاص، وإذا لم تُسحب المرتجعات تتراكم الخسائر.

وعندما أعلنت الدولة أن الصيدليات ستحصل على تعويضاتها دون الحاجة لفواتير، فإن ذلك اعتُبر خطوة تاريخية أزالت عقبة كانت تؤرق الصيدلى لسنوات طويلة.

ووفقًا لخبراء صناعة الدواء، فإن هذه الخطوة ستُعيد التوازن فى العلاقة بين الشركات والصيدليات، وتدفع كل طرف إلى الالتزام بمسؤولياته.

كما ساهمت المبادرة فى رفع درجة الثقة بين المواطن والصيدلية، وهو عنصر بالغ الأهمية فى منظومة الدواء. فأى شك فى سلامة المنتج أو تاريخ صلاحيته يؤثر بشكل مباشر على قرار المريض بشأن شراء الدواء والتزامه بجرعات العلاج.

وفى صناعة تعتمد على الثقة مثل صناعة الدواء، فإن أى خلل صغير قد يؤدى إلى عواقب كبيرة، ليس فقط على المريض، ولكن على الشركات وعلى قطاع الصحة ككل.

الإعدام الصحى للأدوية المنتهية 

أما على مستوى البيئة، فقد جاءت عملية الإعدام الصحى للأدوية المنتهية فى صورة متكاملة تضمن عدم تلويث التربة أو المياه أو الهواء، لأن بعض المواد الدوائية تحتوى على مركبات يمكن أن تتحول إلى مواد خطرة إذا تم التخلص منها بشكل عشوائي.

ولذلك ألزمت المبادرة الشركات بالعمل فقط فى مواقع معتمدة، وبإشراف مباشر من الجهات الرقابية، مع توثيق كل عملية إعدام فى محاضر رسمية.

وتنظر الدولة لهذه المبادرة باعتبارها جزءًا من رؤية أكبر لتطوير ملف الدواء فى مصر، تشمل حملات توطين التصنيع ونقل التكنولوجيا وتقليل الاعتماد على الاستيراد وتوفير أصناف استراتيجية.

وعندما تتخلص السوق من المنتجات المشكوك فى صلاحيتها، فإن ذلك يمنح الصناعة صورة قوية أمام العالم، ويفتح الباب لزيادة فرص التصدير والتعاون الدولي.

وفى هذا الإطار، شدد مسئولون بهيئة الدواء على أن مصر لا تهدف فقط إلى حماية السوق المحلي، بل تسعى لأن تكون مركزًا إقليميًا لصناعة الأدوية فى إفريقيا والشرق الأوسط.

ومع اقتراب انتهاء فترة السحب، تتجه الدولة لوضع قواعد تنظيمية تمنع تكرار المشكلة، منها إلزام الشركات بسحب الأدوية التى تبقى على انتهاء صلاحيتها ستة أشهر، وفرض عقوبات على الشركات التى تماطل فى استلام ما أنتجته.

كما سيتم إعداد قوائم بالصيدليات التى لم تشارك فى المبادرة لاتخاذ إجراءات قانونية مناسبة، لأن الاحتفاظ بدواء منتهى داخل صيدلية هو مخالفة صريحة يمكن أن يعرض حياة المرضى للخطر.

وتبرز المبادرة كذلك فى بُعدها الإنساني، لأنها تمنع وصول الدواء منتهى الصلاحية إلى مواطن بسيط قد يضطر لشرائه لعدم توفر المال أو بسبب عدم الوعي.

وقد أظهرت الدراسات أن بعض المستحضرات بعد انتهاء صلاحيتها قد تتحول إلى مركبات ضارة تصيب الكلى والكبد والأعصاب، بينما مستحضرات أخرى تفقد فاعليتها تمامًا، ما يجعلها كأن لم تكن.

وعندما يحصل مريض على دواء فقد مفعوله، فإنه يظل يتدهور صحيًا دون أن يعرف أن المشكلة ليست فى تشخيصه أو حالته، بل فى الدواء نفسه.

وفى النهاية، فإن المبادرة ليست مجرد صفحة عابرة فى سجل وزارة الصحة، بل تجربة رائدة فى مجال الرقابة الدوائية فى المنطقة، قد تدفع دولًا أخرى إلى تبنى النموذج ذاته.

فقد أثبتت أن الدولة عندما تمتلك الإرادة السياسية وتستند إلى أدوات تقنية وتنظيمية، تستطيع أن تُحدث تغييرات جذرية فى ملفات معقدة. وستظل هذه المبادرة علامة فارقة فى تاريخ سوق الدواء المصري، لأنها أعلنت بشكل نهائى أن صحة المواطن خط أحمر، وأن زمن العبث بالأدوية قد انتهى إلى غير رجعة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق