أصبح سوق الذكاء الاصطناعي على مستوى اقتصاديات العالم بوصلة حقيقية توضح قوة الدول ومدى تأثيرها في الاقتصادات الإقليمية والدولية. وتمثل الشركات العاملة في سوق الذكاء الاصطناعي، وعددها، وإيراداتها، ونسب حصتها بالسوق، وتأثيرها في الناتج المحلي، رقمًا هامًا في معادلة القوة والتنافسية بين الدول المتقدمة والنامية.
حيث فرض سوق الذكاء الاصطناعي نفسه على اقتصاديات العالم ومستقبله، بل أصبح عاملًا مؤثرًا في التغيرات الجيوسياسية والتوجهات والعلاقات الاقتصادية بين دول العالم.
التعليم الآلي بالمركز الأول بالسوق المصري
بالرغم من أن قطاع التعليم استحوذ في سوق الذكاء الاصطناعي في مصر على حصة سوقية بلغت 4.1% في المركز الثامن من إجمالي السوق حتى عام 2023 طبقا لآخر تقرير رسمي عن سوق الذكاء الاصطناعي بمصر، لكن نجد أن التعلم الآلي (Machine Learning ML) استحوذ على حصة سوقية بلغت 40.7% من إجمالي السوق في عام 2023.
حيث تعد هيمنة تقنية التعلم الآلي كبيرة على السوق لتطبيقاتها الواسعة في مختلف القطاعات، وذلك بفعل زيادة دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في المؤسسات التعليمية بالمهام الإدارية وتعزيز تجارب التعلم، والتي من المتوقع أن تبلغ حصته السوقية 5.5% بحلول عام 2030،
وطبقا للتقارير الرسمية بحلول عام 2030، من المتوقع أن تحافظ تقنية التعلم الآلي على هيمنتها، ومن المتوقع أن تبلغ 39.6% بفضل البنية التحتية المتنامية لنشر التعلم الآلي، بالإضافة إلى تنامي اهتمام شركات التقنية العالمية العملاقة بالسوق المصرية.
الاستراتيجية الوطنية
في مصر، حددت الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي مجموعة من الأهداف الاستراتيجية طويلة المدى، متوقعًا تحقيقها خلال فترة تنفيذ الاستراتيجية (2025 - 2030)، منها تكوين وإنشاء أكثر من 250 شركة ناجحة في مجال الذكاء الاصطناعي داخل مصر.
كشف تقرير لمركز معلومات مجلس الوزراء أن قيمة سوق الذكاء الاصطناعي في الدولة المصرية بلغت 785 مليون دولار حتى عام 2023، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 16% من عام 2019 إلى عام 2023، مما يعزز النمو إلى الالتزام المتزايد من الحكومة بتعزيز تبني الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات، مما يعزز تصنيف الدولة في مؤشر مهارات الذكاء الاصطناعي العالمي. ومن المتوقع أن تصل قيمة السوق إلى أكثر من 3.9 مليارات دولار بحلول عام 2030.
ترتيب القطاعات بسوق الذكاء الاصطناعي
تصدر السوق المصري قطاع الاتصالات والمعلومات بحصة سوقية بلغت 21.2%. وجاء في الوصافة قطاع الخدمات المالية والتأمين، وفي المركز الثالث الصناعات التحويلية في مجالات تحليل البيانات لتقليل توقف الإنتاج وإدارة الطاقة والاستدامة وتعزيز الكفاءة.
جاء في المركز الرابع قطاع التجارة والجملة والتجزئة، وقطاع الإنشاءات في المركز الخامس، أما قطاع الكهرباء احتل المركز السادس، وفي المركز السابع جاء قطاع الزراعة والغابات وصيد الأسماك.
وفي المركز الثامن جاء قطاع التعليم بالمؤسسات التعليمية، وجاء في المركز التاسع قطاع الرعاية الصحية، أما قطاع الأنشطة العقارية فاحتل المركز العاشر، وقطاع النقل والتخزين في المركز الحادي عشر، أما المركز الثاني عشر احتله قطاع صناعة التعدين والمحاجر. أما المركز الأخير احتلته قطاع الصناعات الأخرى والذي يتضمن الأنشطة المهنية والعلمية والخدمات الإدارية والإدارة العامة والضمان الاجتماعي والإلزامي.
طبقًا لتقرير مجلس الوزراء، تراجع القطاع الطبي والتعليمي في سوق الذكاء الاصطناعي في مصر بالرغم من تقدمهما في أسواق أوروبا وآسيا وأمريكا وروسيا.
ومن هنا لا بد أن يكون للدولة المصرية عن طريق حكومة الدكتور مصطفى مدبولي توجه واضح نحو سوق الذكاء الاصطناعي في مصر وتقسيمه بامتيازات واضحة لجذب الاستثمارات والريادة.
ومن هنا نقترح ونتساءل:
• لماذا لا يُقَسَّم سوق الذكاء الاصطناعي بامتيازات مختلفة؟ بمعنى أن توجه الدولة، وتقسم السوق إلى 4 قطاعات "الإبداع في التعليم – الابتكار في تقنية الاتصالات – التنمية المستدامة في الطاقة – الاستدامة في الصناعة" وهكذا. وكل قطاع يمتلك مجموعة من المجالات، وتطرح الدولة امتيازات معينة لقطاع عن الآخر، حتى تُوَجَّه الشركات الناشئة للدخول فيه والاستفادة من هذه الامتيازات، ومن ثم زيادة عدد الشركات في هذا القطاع ومجالاته، ما يفيد مع الوقت في الإبداع والتطوير والتأثير في الاقتصاد الإقليمي والعالمي، وتصبح لمصر الريادة فيه؟
• لماذا لا يُعْقَد مؤتمر عالمي سنوي عن سوق الذكاء الاصطناعي في مصر لجذب المزيد من الشركات العالمية والشركات الناشئة للعمل في مصر؟
• أين دور المجلس الوطني للذكاء الاصطناعي في نشر ثقافة سوق الذكاء الاصطناعي وجذب الشباب للعمل فيه، وفي الاقتصاد الإبداعي الذي أصبح الذكاء الاصطناعي عاملًا مؤثرًا وقويًا للنمو بهذا الاقتصاد الذي يُطلق عليه الاقتصاد البرتقالي؟
• لماذا لا يقوم المجلس الوطني للذكاء الاصطناعي برئاسة وزير الاتصالات وتقنية المعلومات بعمل جولات ترويجية خارجية لجذب الاستثمارات لسوق الذكاء الاصطناعي في مصر وعرض مميزات العمل في السوق في مصر والامتيازات التي سيحصلون عليها؟
• أخيرًا اين الرؤية والرسالة لسوق الذكاء الاصطناعي في مصر وتطبيقها على أرض الواقع؟
في نهاية المطاف تمتلك مصر القدرة ومقومات النجاح حول إنشاء سوق للذكاء الاصطناعي قويًا ومتميز ورائد دون غيره في الشرق الأوسط، ويكون مؤثرًا إقليميًا ودوليًا، بالاعتماد على المناخ المستقر بداخلها والعمالة الماهرة، بالإضافة إلى حرص الدولة على نجاح مجال الذكاء الاصطناعي في مصر والذي يظهر دائمًا في توجهات وتصريحات رئيس الجمهورية.
إن كل خطوة تتخذها الحكومة والدولة المصرية اليوم بشكل أكبر وفعال وبتخطيط وتنفيذ واعٍ بمجال الذكاء الاصطناعي ستكون بمثابة خطوات تختصر سنين طويلة في المستقبل الذي نريده أفضل للأجيال القادمة.
*باحث في مجال الذكاء الاصطناعي












0 تعليق