تحيي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية اليوم ذكرى رحيل البابا يوساب الأول، البابا الثاني والخمسين من باباوات الإسكندرية، الذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم من عام 841 ميلادية، بعد حياةٍ رهبانية حافلة بالزهد والخدمة والتعليم.
هو واحد من أولئك الآباء الذين حملوا الكرسي المرقسي بروح الوداعة، فساروا في طريق الرعاية بالحبّ، وواجهوا الصعاب بإيمانٍ راسخٍ لا يتزعزع.
من منوف إلى البرية
وُلد البابا يوساب في مدينة منوف لعائلةٍ عريقة وغنية، لكن قلبه منذ الصغر كان ميّالًا للبساطة والعطاء. وبعد وفاة والديه، تولّى تربيته بعض المؤمنين، فشبّ على محبة الله وخدمة المحتاجين.
ومع مرور الوقت، وزّع معظم أمواله على الفقراء، ثم قصد برية القديس مقاريوس حيث ترهّب على يد أحد الشيوخ القديسين، وبدأ رحلته في حياة الزهد والطاعة.
علامة من السماء
عُرف الراهب يوساب بسيرته الصالحة وحكمته الهادئة، حتى سمع عنه البابا مرقس الثاني ودعاه إليه، ثم رسمه قسًا وأرسله للخدمة.
وبعد رحيل البابا سيماؤن الثاني، ظل الكرسي المرقسي خاليًا، إلى أن أظهر الله مشيئته للأساقفة الذين ذهبوا لاستدعائه، فكانت علامتهم أن يجدوا باب قلايته مفتوحًا وقد وجدوه كذلك، وكأن العناية الإلهية سبقتهم إلى القرار.
رفض أولًا بتواضعٍ وبكاء، لكنه اختير بإجماعٍ روحيّ ليجلس على كرسي الإسكندرية، راعٍ متضعًا ومحبًا للشعب.
رعاية وغيرة مقدسة
منذ جلوسه على الكرسي، اهتم البابا يوساب بعمارة الكنائس وخدمة الفقراء، وكان ينفق من ماله الخاص لشراء أملاك يوقفها على بيوت الله.
لم يكن مشغولًا بالمظاهر، بل كان معلّمًا لا يكلّ، يفسّر للشعب الإيمان المستقيم، ويعالج الخلافات بروح الأبوة والوداعة.
حين امتحنته التجارب
لم تخلُ خدمته من الألم، فقد واجه خصومات من بعض الأساقفة الذين تمرّدوا على نصائحه، حتى إنهم لفّقوا له اتهامات أمام الوالي.
فعندما همّ أحد الجنود بقتله، انكسر سيفه في العمود، ولم تصبه الضربة. عندها أدرك الجميع أن نعمة السماء تحوط هذا البار، فاحترمه الوالي وأكرمه، وأصدر أمره بألا يعارضه أحد في شؤون الكنيسة.
نهاية في سلام وبداية في السماء
قضى البابا يوساب تسع عشرة سنة على الكرسي المرقسي، وسبقها عمرٌ طويل في الرهبنة والطاعة والتعليم.
أنهى أيامه كما عاشها: هادئًا، متعبّدًا، ومصلّيًا من أجل الكنيسة وشعبها، حتى سلّم روحه بسلام بعد سيرةٍ امتلأت بالإيمان والعطاء.
ويبقى البابا يوساب الأول واحدًا من أولئك الذين مرّوا بصمتٍ وتركوا أثرًا لا يُمحى، راعٍ صالح علّم بالحقّ، وخدم بتواضعٍ، ورحل وقد ترك للكنيسة صفحة ناصعة في تاريخها الطويل.








0 تعليق