حماس والحرب الأهلية فى غزة.. السياق التاريخى والأحداث الراهنة من انقسام 2007 إلى فوضى 2025

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يمثل المشهد الغزى اليوم مرآة مكثّفة لتاريخٍ طويلٍ من الانقسام الفلسطيني، حيث تتقاطع السياسة بالدين، والمقاومة بالسلطة، والمعاناة الإنسانية بالتجاذبات الإقليمية والدولية. فمنذ فوز حركة حماس فى الانتخابات التشريعية عام 2006، دخلت الساحة الفلسطينية مرحلة جديدة من الصراع الداخلي، انتهت فى يونيو 2007 بسيطرة حماس الكاملة على قطاع غزة، لتتحول القضية الفلسطينية من صراع مع الاحتلال إلى صراع مزدوج: داخلى وخارجي. هذا الانقسام الجغرافى والسياسى ترك أثرًا عميقًا فى الوعى الفلسطيني، وجعل من غزة ساحةً تتجدد فيها الأزمات.

لم تكن معركة ٢٠٠٧ مجرد حدث عابر فى التاريخ الفلسطيني، بل شكلت نقطة تحول فى بنية الحكم والعلاقات الداخلية. فقد أفرزت نظامين متوازيين؛ أحدهما فى غزة تديره حماس، والآخر فى الضفة الغربية تحت سيطرة السلطة الوطنية بقيادة فتح. ومع مرور السنوات، تعمقت الهوة بين الطرفين بفعل الحصار الإسرائيلي، والتنافس الإقليمي، والتوظيف السياسى للمأساة الإنسانية فى القطاع. وبذلك، أصبحت غزة معزولة عن العالم الخارجى ومحكومة بسلطة قائمة على مزيج من المقاومة والضبط الأمنى الصارم.

ومع اندلاع الحرب الإسرائيلية الكبرى فى أكتوبر ٢٠٢٣، التى استمرت عامين، دخلت غزة مرحلة غير مسبوقة من الدمار والفوضى. فقد أدى القصف المتواصل إلى مقتل أكثر من ٦٧ ألف فلسطيني وتدمير واسع للبنية التحتية، ما فتح الباب أمام فراغ أمنى خطير استغلته ميليشيات محلية وعائلات نافذة لبسط نفوذها. وبعد وقف إطلاق النار فى أكتوبر ٢٠٢٥، وجدت حماس نفسها أمام تحدٍ مزدوج: إعادة فرض سيطرتها الداخلية وإعادة بناء ما تبقى من القطاع المنهك.

فى هذا السياق، تصاعدت التوترات مجددًا داخل غزة، ليس بين فصائل سياسية هذه المرة، بل بين حماس والعائلات المحلية أو المجموعات المسلحة التى نشأت خلال الحرب. ما يجرى اليوم لا يمكن وصفه بحربٍ أهلية شاملة، لكنه يحمل ملامح "حرب أهلية منخفضة المستوى" تتغذى من الغضب الشعبي، وانتشار السلاح، وانهيار مؤسسات الحكم. من هنا، يصبح فهم السياق التاريخى لمعركة ٢٠٠٧ ضرورة لفهم ما يحدث اليوم، حيث تعيد غزة إنتاج أزمتها القديمة فى شكل جديد أكثر هشاشة وتعقيدًا.

السياق التاريخي: معركة غزة ٢٠٠٧ 

شهدت الساحة الفلسطينية فى بداية عام ٢٠٠٧ تصاعدًا حادًا فى التوترات بين حركتي حماس وفتح، وهما الفصيلان الرئيسيان فى الساحة السياسية الفلسطينية. جاءت هذه التوترات بعد فوز حماس المفاجئ فى الانتخابات التشريعية الفلسطينية فى يناير ٢٠٠٦، حيث حصلت على ٧٤ مقعدًا من أصل ١٣٢ فى المجلس التشريعي، مقارنة بـ٤٥ مقعدًا لفتح. هذا الفوز قلب موازين القوى التقليدية التى هيمنت عليها فتح، الفصيل الرئيسى فى منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة محمود عباس، مما أثار مخاوف داخلية ودولية من صعود حركة إسلامية مقاومة تُصنفها دول غربية كـ"إرهابية".

فى محاولة لتخفيف التوترات، شُكلت حكومة وحدة وطنية بين حماس وفتح فى مارس ٢٠٠٧، بوساطة سعودية عبر اتفاق مكة. لكن هذه الحكومة سرعان ما واجهت تحديات هيكلية، حيث رفضت الدول الغربية تقديم الدعم المالى لها بسبب سيطرة حماس، مما زاد الضغط الاقتصادى على الأراضى الفلسطينية. داخليًا، استمر الخلاف حول السيطرة على الأجهزة الأمنية، حيث أصرت فتح على الإبقاء على قواتها تحت قيادة محمود عباس، بينما طالبت حماس بدمج قواتها العسكرية (كتائب القسام) فى الأجهزة الرسمية. هذه الخلافات أدت إلى انهيار الاتفاق وتصاعد التوترات المسلحة.

فى الفترة من ١٠ إلى ١٥ يونيو ٢٠٠٧، تحولت التوترات إلى مواجهات مسلحة عنيفة فى شوارع قطاع غزة، فيما عُرف بـ"معركة غزة" أو "الحرب الأهلية الفلسطينية". بدأت الاشتباكات بمواجهات محدودة بين عناصر من كتائب القسام (الجناح العسكرى لحماس) وقوات الأمن التابعة لفتح، لكنها سرعان ما تصاعدت إلى حرب شوارع شاملة. استخدمت الأسلحة الخفيفة والثقيلة، بما فى ذلك قذائف الهاون والقنابل، مما أدى إلى تدمير جزئى للبنية التحتية فى مناطق مثل مدينة غزة وخان يونس. كلا الطرفين اتهم الآخر بالبدء فى العنف، مما زاد من حدة الانقسام

خلال ستة أيام من القتال العنيف، قُتل أكثر من ١٦٠ فلسطينيًا، معظمهم من أنصار فتح، بينما أصيب المئات. سيطرت حماس بشكل كامل على المؤسسات الأمنية والحكومية فى غزة، بما فى ذلك مقر الرئاسة ومراكز الشرطة. قوات فتح إما طُردت من القطاع أو استسلمت، وفر العديد من قادتها إلى الضفة الغربية أو خارج الأراضى الفلسطينية. هذه السيطرة عززت من هيمنة حماس على غزة، لكنها أدت إلى انقسام سياسى وجغرافى عميق.. غزة تحت إدارة حماس، والضفة الغربية تحت سيطرة السلطة الوطنية بقيادة فتح.

شهدت المعركة انتهاكات خطيرة من كل الطرفين، وثّقتها منظمات حقوقية مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية. شملت هذه الانتهاكات إعدامات ميدانية، تعذيب المعتقلين، واختطافات، حيث اتهمت فتح حماس باستهداف قادتها الأمنيين بشكل منهجي، بينما اتهمت حماس فتح بالتعاون مع إسرائيل للقضاء على حكمها. على سبيل المثال، أُعدم عدد من أنصار فتح دون محاكمات عادلة، بينما قامت قوات فتح باعتقال نشطاء حماس فى الضفة الغربية كرد فعل. هذه الأعمال وُصفت بـ"جرائم حرب" من قبل منظمات حقوقية، مما زاد من تعقيد الوضع الإنساني.

كشفت تقارير لاحقة، مثل مقال ديفيد وورمرسر فى مجلة فانيتى فير عام ٢٠٠٨، عن دور خارجى فى تأجيج الصراع، حيث دعمت الولايات المتحدة ودول غربية أخرى قوات فتح الأمنية بقيادة محمد دحلان لإسقاط حكومة حماس فى غزة، فى خطة وُصفت بـ"الانقلاب الناعم". هذا الدعم شمل تدريب قوات فتح فى مصر والأردن، مما أثار شكوك حماس وزاد من تصميمها على السيطرة الكاملة على القطاع. بعد المعركة، فرضت إسرائيل حصارًا مشددًا على غزة، مدعومًا من مصر والمجتمع الدولي، مما أدى إلى عزل القطاع اقتصاديًا وسياسيًا، وتعميق الأزمة الإنسانية وتأصيل الانقسام الفلسطينى الذى لا يزال مستمرًا حتى اليوم.

هذا الانقسام أدى إلى حصار إسرائيلي مشدد على غزة منذ ٢٠٠٧، مما عزز سيطرة حماس كحكومة فعلية، لكنه أيضًا أضعف الوحدة الفلسطينية.

بعد وقف إطلاق النار (أكتوبر ٢٠٢٥)

تعيش غزة منذ وقف إطلاق النار فى ٨ أكتوبر ٢٠٢٥ على وقع الشامل الذى خلّفته الحرب الإسرائيلية، فوجئ سكان القطاع بحملة أمنية مشددة أطلقتها حركة حماس لإعادة فرض سيطرتها على المناطق المنهكة من الفوضى والانفلات الأمني. هذه الحملة، التى جاءت عقب انسحاب جزئى للقوات الإسرائيلية، مثّلت محاولة لاستعادة النظام، لكنها فى الوقت ذاته كشفت عن عمق الانقسامات الاجتماعية والعائلية، وعن هشاشة البنية السياسية فى غزة.

فى خضم هذه التطورات، تحوّلت الإجراءات الأمنية إلى مصدر قلق داخلى ودولي، مع ورود تقارير عن إعدامات ميدانية واشتباكات بين كتائب القسام وعائلات محلية أو مجموعات مسلحة متهمة بالتعاون مع إسرائيل. وبينما تؤكد حماس أن هدفها هو “حماية الأمن الوطني”، يرى مراقبون أن هذه السياسة القاسية قد تدفع القطاع نحو “حرب أهلية منخفضة المستوى”، خصوصًا فى ظل الانتقام العائلى وانتشار السلاح بين المدنيين. ومع تضارب الروايات بين تبرير أمنى وتحذير إنساني، تبدو غزة اليوم ساحة اختبار جديدة لقدرة حماس على إدارة ما بعد الحرب دون الانزلاق إلى صراع داخلي يعمّق جراح المجتمع الفلسطيني.

الأحداث الرئيسية (من ١٠-١٨ أكتوبر ٢٠٢٥)

الحملة الأمنية لحماس: بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار فى ٨ أكتوبر ٢٠٢٥، بوساطة قطرية ومصرية، بدأت حركة حماس حملة أمنية واسعة النطاق لاستعادة السيطرة على قطاع غزة، الذى عانى من فوضى أمنية خلال الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ أكتوبر ٢٠٢٣. استهدفت الحملة أفرادًا ومجموعات متهمة بالتعاون مع إسرائيل أو استغلال الفوضى لسرقة المساعدات الإنسانية والأسلحة. هذه الحملة جاءت فى سياق محاولة حماس لتثبيت سلطتها بعد انسحاب جزئى للقوات الإسرائيلية، وسط تحديات داخلية وخارجية تهدد استقرار القطاع. وقد أثارت هذه الإجراءات جدلًا واسعًا بسبب طبيعتها القاسية وتداعياتها على الوحدة الفلسطينية.

الإعدامات الميدانية: نفذت حماس إعدامات علنية لما بين ٨ إلى ١٠ أشخاص خلال الفترة من ١٠ إلى ١٨ أكتوبر ٢٠٢٥، متهمة إياهم بالعمالة لإسرائيل أو سرقة مستودعات المساعدات الإنسانية. أحد هذه الحوادث، الذى وثقته قناة سكاى نيوز، وقع فى مدينة خان يونس، حيث أُعدم أفراد أمام حشد من المواطنين، مما أثار موجة غضب شعبي. هذه الإعدامات، التى غالبًا لم تتضمن محاكمات عادلة، أعادت إلى الأذهان انتهاكات مماثلة خلال معركة غزة ٢٠٠٧. السكان المحليون عبروا عن مخاوفهم من أن هذه الأفعال قد تؤجج التوترات وتؤدى إلى صراعات داخلية جديدة.

اشتباكات مع العائلات المحلية: شهدت مدن غزة ورفح وخان يونس اشتباكات مسلحة بين عناصر من كتائب القسام، الجناح العسكرى لحماس، وعائلات كبيرة وميليشيات محلية. من بين هذه العائلات، عائلة الصفطاوي، التى هددت بالثأر بعد مقتل أحد أفرادها فى مواجهة مع قوات حماس. فى حادث بارز آخر، قُتل ابن القيادى فى حماس، نعيم نعيم، خلال اشتباك مع ميليشيا محلية فى شمال غزة. هذه الاشتباكات كشفت عن تصدعات عميقة فى النسيج الاجتماعى بغزة، حيث تحولت بعض العائلات إلى قوى شبه عسكرية بسبب انتشار الأسلحة وانهيار الأمن خلال الحرب.

سرقة الأسلحة والاتهامات بالتعاون: خلال الحرب، نهبت مجموعات مسلحة آلاف الأسلحة من مستودعات حماس، مستغلة الفوضى الناتجة عن القصف الإسرائيلى المتواصل. تقارير من مصادر مثل سكاى نيوز ومقاطع فيديو على يوتيوب أشارت إلى أن بعض هذه المجموعات تلقت دعمًا إسرائيليًا مباشرًا أو غير مباشر، بهدف إضعاف سيطرة حماس. هذه الاتهامات غذت حملة حماس الأمنية، حيث اعتبرت هذه المجموعات "خلايا خيانة" تهدد الأمن الوطنى الفلسطيني. ومع ذلك، أثارت هذه الاتهامات جدلًا، حيث يرى البعض أنها تُستخدم كذريعة لتصفية الحسابات مع خصوم سياسيين أو عائلات متنافسة.

ردود الفعل الدولية

أثارت الحملة الأمنية لحماس ردود فعل دولية متباينة. الخارجية الأمريكية نددت بالإعدامات الميدانية، واعتبرتها انتهاكًا لاتفاق وقف إطلاق النار، مهددة باتخاذ "إجراءات" لحماية المدنيين فى غزة، دون توضيح طبيعة هذه الإجراءات. فى المقابل، استغلت إسرائيل هذه الأحداث لتشن حملة إعلامية فى تايمز سكوير بنيويورك، متهمة حماس بـ"الإعدامات الجماعية" وتصويرها كمنظمة إرهابية تهدد المدنيين الفلسطينيين. هذه الحملة الإعلامية أثارت انتقادات فلسطينية، معتبرة أنها محاولة لصرف الانتباه عن الدمار الإسرائيلى فى غزة، الذى أودى بحياة أكثر من ٦٧ ألف فلسطينى منذ أكتوبر ٢٠٢٣، وفقًا لوزارة الصحة فى غزة.

تحليلات المحللين ومخاوف الحرب الأهلية: قدم محللون فلسطينيون، مثل حكمت يوسف، قراءات متباينة للوضع. يرى البعض أن حملة حماس هى "تفاعل طبيعي" لاستعادة الأمن فى ظل وجود "خلايا مسلحة مدعومة من الاحتلال"، خاصة بعد سرقة الأسلحة وتفشى الفوضى. ومع ذلك، حذر هؤلاء المحللون من أن استمرار الإعدامات دون محاكمات عادلة قد يشعل "حربًا أهلية منخفضة المستوى". منشورات على منصة إكس (تويتر) عكست هذه المخاوف، حيث تحدث نشطاء عن "شبح الحرب الأهلية" نتيجة الثأر العائلى والإحباط الشعبى من الأوضاع الاقتصادية والإنسانية. هذه التحليلات تشير إلى أن غزة تقف على مفترق طرق، حيث يمكن أن تؤدى السياسات الأمنية القاسية إلى مزيد من الانقسام أو إلى استعادة الاستقرار إذا تمت إدارتها بحكمة.

المخاوف والتحليلات

مخاطر الحرب الأهلية: يحذر خبراء، مثل الدكتورة قنتة أحمد، من احتمال تطور التوترات الحالية فى قطاع غزة إلى "حرب أهلية منخفضة المستوى" قد تمتد لعقود. هذا التحذير يستند إلى عدة عوامل، منها انتشار الأسلحة بين العائلات والمجموعات المسلحة بعد نهب مستودعات حماس خلال الحرب الإسرائيلية الممتدة من ٢٠٢٣ إلى ٢٠٢٥. الإحباط الشعبى الناتج عن الدمار الواسع، الذى أودى بحياة أكثر من ٦٧ ألف فلسطينى وفقًا لوزارة الصحة فى غزة، يفاقم من هذه المخاطر. الفوضى الأمنية التى سادت القطاع خلال الحرب، إلى جانب انهيار البنية التحتية، خلقت بيئة مواتية للصراعات الداخلية، حيث أصبحت العائلات الكبرى قوى شبه عسكرية قادرة على تحدى سلطة حماس.

التوترات العائلية والثأر:

على منصة إكس (تويتر سابقًا)، يعبر نشطاء فلسطينيون عن قلقهم من تصاعد التوترات بين حماس وعائلات كبيرة، مثل عائلة الصفطاوي، التى هددت بالثأر بعد مقتل أحد أفرادها فى اشتباكات مع كتائب القسام. هذه التهديدات تعكس ديناميكيات اجتماعية معقدة فى غزة، حيث تلعب العائلات دورًا مركزيًا فى الحياة السياسية والاجتماعية. الاشتباكات، مثل مقتل ابن القيادى فى حماس نعيم نعيم، تُظهر كيف يمكن للعنف أن يتحول إلى دورة من الانتقام. المحللون يخشون أن تؤدى هذه الصراعات إلى تقسيم المجتمع الفلسطيني، خاصة فى ظل الضغوط الاقتصادية والإنسانية التى تجعل السكان أكثر عرضة للاستقطاب.

دور إسرائيل فى تأجيج الصراع: تُشير تقارير موثوقة، بما فى ذلك تلك المنشورة عبر سكاى نيوز ومنصات أخرى، إلى أن إسرائيل دعمت بعض الميليشيات المحلية فى غزة لإضعاف سيطرة حماس، كجزء من استراتيجية "تقسيم للحكم". هذا الدعم، الذى يُزعم أنه تضمن تزويد هذه المجموعات بالأسلحة أو المعلومات، يجعل الصراع الداخلى فى غزة أقل "أهلية" وأكثر ارتباطًا بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلى الأوسع. مثل هذه التدخلات تُذكّر بالدور الأمريكى فى دعم فتح خلال معركة غزة ٢٠٠٧، مما يثير مخاوف من أن تكون هذه الاشتباكات جزءًا من استراتيجية إسرائيلية للحفاظ على غزة فى حالة من الفوضى، مما يسهل السيطرة عليها.

شعبية حماس وسط الانتقادات: على الرغم من الدمار الهائل الذى شهدته غزة، تحافظ حماس على دعم شعبى نسبى بسبب دورها فى التفاوض على وقف إطلاق النار فى أكتوبر ٢٠٢٥ وإعادة عدد من الرهائن. هذا الدور عزز صورتها كقوة مقاومة قادرة على مواجهة الضغوط الإسرائيلية. ومع ذلك، فإن الحملة الأمنية القاسية، التى شملت إعدامات ميدانية دون محاكمات عادلة، أثارت انتقادات حادة داخليًا وخارجيًا. على منصة إكس، عبّر مواطنون فلسطينيون عن استيائهم من هذه الأساليب، معتبرين أنها تهدد الوحدة الوطنية وتعرض حياة المدنيين للخطر، مما يضع حماس أمام تحدى الحفاظ على شرعيتها.

رؤى تحليلية 

يرى محللون فلسطينيون، مثل حكمت يوسف، أن حملة حماس الأمنية هى استجابة "طبيعية" للفوضى التى خلفتها الحرب، خاصة مع ظهور "خلايا مسلحة" يُزعم أنها مدعومة من إسرائيل. هؤلاء المحللون يؤكدون أن استعادة الأمن ضرورية لمنع انهيار القطاع، لكنهم يحذرون من أن الإعدامات العشوائية قد تؤدى إلى نتائج عكسية. إذا لم تُجرَ محاكمات عادلة وشفافة، فقد تتحول هذه الإجراءات إلى محفز لصراع داخلى أوسع. هذا الرأى يجد صدى فى مناقشات على إكس، حيث يدعو البعض إلى تهدئة التوترات عبر حوار وطنى يشمل جميع الفصائل والعائلات.

التحديات المستقبلية: يواجه قطاع غزة مفترق طرق خطيرًا، حيث يمكن أن تؤدى السياسات الأمنية القاسية إلى استعادة الاستقرار أو إلى تفاقم الانقسامات. التحدى الأكبر أمام حماس هو تحقيق التوازن بين فرض الأمن وحماية الوحدة الوطنية، فى ظل ضغوط خارجية من إسرائيل والمجتمع الدولي. المحللون يؤكدون على ضرورة إشراك العائلات والفصائل الأخرى فى عملية إعادة الإعمار والحكم، لتجنب تكرار سيناريو معركة غزة ٢٠٠٧. كما يُطالب السكان المحليون، عبر منصات التواصل، بحلول عاجلة للأزمة الإنسانية، بما فى ذلك إعادة توزيع المساعدات بشكل عادل وإنهاء الحصار، لتخفيف التوترات الاجتماعية التى تهدد بإشعال صراع داخلي جديد.

أزمة عميقة

إن ما تشهده غزة بعد وقف إطلاق النار ليس مجرد حملة أمنية عابرة، بل تعبير عن أزمة عميقة فى بنية الحكم والشرعية داخل القطاع. فحماس، التى خرجت من الحرب مثخنة الجراح لكنها لا تزال القوة المسيطرة، تحاول إعادة ترتيب البيت الداخلى عبر وسائل قسرية تثير الجدل. الإعدامات الميدانية والاشتباكات مع العائلات تكشف عن هشاشة الوضع الاجتماعى والسياسي، وعن غياب إطار وطنى جامع يمكن أن يضبط تفاعلات ما بعد الحرب.

رغم محاولات حماس تبرير حملتها الأمنية بأنها ضرورة لحماية "الأمن الوطني"، فإن مثل هذه الإجراءات، حين تتم خارج نطاق القانون، قد تُفاقم الانقسام وتزرع بذور حربٍ أهلية مؤجلة. فقد أثبتت تجربة ٢٠٠٧ أن العنف الداخلى لا ينتج استقرارًا، بل يفتح الباب لمزيد من التدخلات الخارجية التى تستثمر فى الانقسام الفلسطينى لخدمة أجنداتها. وهكذا، تصبح الفوضى فى غزة جزءًا من معادلة إقليمية معقدة، لا يملك الفلسطينيون وحدهم مفاتيح حلّها.

لكى تتجنب غزة الانزلاق إلى صراعٍ داخلى جديد، لا بد من مقاربة شاملة تجمع بين الأمن والعدالة والمصالحة. يتطلب ذلك من حماس مراجعة أسلوب إدارتها للقطاع، ومن السلطة الفلسطينية الانخراط بجدية فى حوار وطنى يعيد بناء الثقة، ومن المجتمع الدولى الكف عن التعامل مع غزة من منظور أمنى بحت. فبدون حلول إنسانية وتنموية حقيقية، ستبقى غزة بيئة خصبة للانقسام والعنف.

فى النهاية، تبدو غزة اليوم أمام مفترق طرق تاريخي: فإما أن تنجح القوى الفلسطينية فى تحويل الألم إلى فرصة لإعادة بناء الوحدة الوطنية، وإما أن تغرق فى دوامة جديدة من الصراع الداخلى الذى يخدم الاحتلال وحده. بين الذاكرة الدموية لعام ٢٠٠٧ وواقع أكتوبر ٢٠٢٥، تمتد خيوط أزمة لم تُحل بعد، عنوانها الأبرز: صراع الشرعية فى ظل الحصار والموت والدمار.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق