اضطراب ما بعد الصدمة.. الأسباب والأعراض وطرق العلاج

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ما يقارب ثمانية ملايين شخص بالغ حول العالم يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة كل عام، كما يُقدَّر أن سبعة إلى ثمانية أشخاص من بين كل مئة قد يختبرون اضطراب ما بعد الصدمة في مرحلةٍ ما من حياتهم، أي نحو 8% من سكان العالم، وفقا لـ الإحصاءات الصادرة عن المركز الوطني ل (National Center for PTSD) وأوضح ما هي طبيعة هذا الاضطراب؟ وكيف يمكن فهمه والتعامل معه؟

ما هو اضطراب ما بعد الصدمة؟

اضطراب ما بعد الصدمة (Post-Traumatic Stress Disorder – PTSD) هو حالة نفسية معقدة تظهر لدى بعض الأفراد عقب التعرض لحدث صادم أو خطر حقيقي، مثل الكوارث الطبيعية، أو الحوادث العنيفة، أو الاعتداءات الجسدية والجنسية، أو التهديد بالموت.
عادةً ما يختبر الإنسان مشاعر خوف أو قلق بعد مثل هذه التجارب، إلا أن معظم الناس يتجاوزونها مع الوقت، لكن في بعض الحالات، تبقى الأعراض قائمة وتتحول إلى اضطراب حقيقي يؤثر على طريقة التفكير والسلوك، فيعيش المصاب حالة من التوتر المستمر وكأنه لا يزال يواجه الخطر نفسه.

 

الأسباب والعوامل المؤدية

لا يرتبط اضطراب ما بعد الصدمة بسبب واحد محدد، بل هو نتاج تفاعل معقد بين مجموعة من العوامل، أبرزها:
• شدة الصدمة النفسية التي يتعرض لها الفرد، ومدى تأثيرها على توازنه العاطفي.
• تاريخ سابق من الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب أو القلق.
• السمات الشخصية أو المزاجية الموروثة التي تجعل بعض الأشخاص أكثر حساسية تجاه الضغوط.
• طريقة استجابة الدماغ للضغوط وتنظيمه للهرمونات والمواد الكيميائية أثناء التوتر.

 

عوامل الخطر

تزداد احتمالية الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة لدى من تتوافر لديهم بعض العوامل مثل:
• التعرض لصدمة قوية أو متكررة على مدى طويل.
• المرور بتجارب مؤذية في مرحلة الطفولة، كالعنف الأسري أو الإهمال.
• العمل في مهن تتطلب مواجهة الخطر أو المواقف العنيفة مثل الجيش أو فرق الإنقاذ.
• وجود اضطرابات نفسية مرافقة كالقلق أو الإدمان أو الاكتئاب.
• غياب الدعم النفسي والاجتماعي من المقربين.

وتشير الدراسات إلى أن النساء أكثر عرضة للإصابة بالاضطراب من الرجال، كما أن العوامل الوراثية تلعب دورًا في جعل بعض الأشخاص أكثر هشاشة أمام الصدمات النفسية.

 

الأعراض

تتوزع أعراض اضطراب ما بعد الصدمة على أربع مجموعات رئيسية، تختلف شدتها من شخص لآخر:
1. استرجاع الذكريات المؤلمة (Intrusion):
حيث يعاني المصاب من استحضار مفاجئ ومؤلم لتفاصيل الحدث الصادم، وقد يرى كوابيس مزعجة أو يعيش نوبات هلع تذكره بما حدث.
2. التجنّب (Avoidance):
يميل المريض إلى تجنب الأشخاص أو الأماكن أو المواقف التي تُعيد إلى ذاكرته ما حدث، وقد يحاول كبت الأفكار المتعلقة بالحادث بالكامل.
3. التغيرات في التفكير والمزاج (Alterations in cognition and mood):
تشمل صعوبة تذكر بعض تفاصيل الصدمة، وشعورًا دائمًا بالذنب أو الخوف أو الانفصال العاطفي عن الآخرين، إضافة إلى فقدان الاهتمام بالأنشطة التي كانت ممتعة سابقًا.
4. الاضطرابات في السلوك وردود الفعل (Alterations in arousal and reactivity):
وقد تظهر على شكل نوبات غضب مفاجئة، أو تصرفات متهورة، أو قلق مفرط، أو أرق وصعوبة في التركيز.

أما الأطفال دون السادسة، فقد تظهر لديهم الأعراض من خلال اللعب التخيلي الذي يعيد تمثيل الصدمة، أو الكوابيس المتكررة التي تعكس ما مرّوا به.

متى يجب مراجعة الطبيب؟

ينبغي طلب المساعدة الطبية العاجلة في حال:
• استمرار المشاعر والأفكار المزعجة لأكثر من شهر بعد الحادث.
• شدة الأعراض وتأثيرها على الحياة اليومية.
• فقدان القدرة على العمل أو الدراسة أو ممارسة الأنشطة الطبيعية.
• ظهور أفكار بإيذاء النفس أو رغبة في الانتحار.

العلاج المبكر يسهم في تقليل المضاعفات ويزيد فرص التعافي بشكلٍ كبير.

 

تشخيص اضطراب ما بعد الصدمة

لا يمكن تشخيص الحالة بشكل دقيق إلا من خلال طبيب أو اختصاصي نفسي يعتمد على معايير الدليل التشخيصي والإحصائي الخامس للاضطرابات النفسية (DSM-5).
ويُشترط لتأكيد التشخيص أن يُظهر المريض:
• عرضًا واحدًا على الأقل من فئة استرجاع الذكريات.
• عرضًا أو أكثر من فئة التجنب.
• عرضين أو أكثر من فئة اضطرابات المزاج والإدراك.
• عرضين أو أكثر من فئة اضطرابات السلوك واليقظة.

كما يجب أن تستمر الأعراض لأكثر من شهر وأن تُحدث تأثيرًا واضحًا على حياة المريض، دون أن تكون نتيجة مباشرة لتأثير الأدوية أو المواد المخدرة.

 

خيارات العلاج

أولًا: العلاج النفسي

يُعد العلاج النفسي الركيزة الأساسية في التعامل مع اضطراب ما بعد الصدمة، ومن أبرز أنواعه:
• العلاج السلوكي المعرفي (CBT):
يهدف إلى تعديل الأفكار السلبية المرتبطة بالحدث الصادم، وتعليم المريض كيفية مواجهة الذكريات المؤلمة بطريقة أكثر واقعية. يستمر العلاج عادة بين 8 إلى 12 جلسة أسبوعية تستغرق كل منها نحو ساعة إلى ساعة ونصف.
• إزالة التحسس بحركة العين وإعادة المعالجة (EMDR):
يعتمد على استحضار الذكريات المؤلمة أثناء متابعة حركات معينة للعين بتوجيه المعالج، مما يساعد على تقليل شدة الاستجابة العاطفية لتلك الذكريات.
• العلاج بالتعرض (Exposure Therapy):
يتم من خلال مواجهة تدريجية ومدروسة للمواقف المشابهة للصدمة الأصلية، ما يساعد على تقليل الخوف وتغيير استجابة المريض تجاهها.
• العلاج المتمركز حول الحاضر (Present-Centered Therapy – PCT):
يركّز على المشكلات الراهنة الناتجة عن الصدمة بدلاً من استرجاعها، مع تدريب المريض على إدارة الضغوط الحالية ووضع استراتيجيات فعالة لحلها.

 

ثانيًا: العلاج الدوائي

قد يصف الطبيب بعض الأدوية المضادة للاكتئاب للمساعدة في السيطرة على القلق وتحسين الحالة المزاجية. وغالبًا ما تُستخدم هذه الأدوية إلى جانب العلاج النفسي لتحقيق نتائج أفضل على المدى الطويل.

 

اضطراب ما بعد الصدمة ليس ضعفًا في الشخصية، بل استجابة إنسانية لتجربة تفوق قدرة التحمل. والعلاج الفعّال، القائم على الدعم النفسي والعلاج السلوكي والدوائي، يمكن أن يُعيد للمصابين توازنهم ويمنحهم حياة أكثر استقرارًا وطمأنينة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق