تُعد محافظة الأقصر، واحدة من أهم المدن التاريخية في العالم، إذ تحتضن بين جنباتها إرثًا حضاريًا فريدًا يعكس عظمة الحضارة المصرية القديمة، ولا يقتصر هذا الإرث على المعابد والمقابر الأثرية فقط، بل يتجسد أيضًا في مجموعة متميزة من المتاحف التي تسهم في حفظ وعرض هذا التراث الخالد.
وتُعتبر المتاحف في الأقصر، منارة تعليمية وثقافية، تلعب دورًا محوريًا في توثيق التاريخ، وتعريف الزوار بمظاهر الحياة في العصور المختلفة، بدءًا من عصر الفراعنة وحتى العصر الحديث. يهدف هذا التقرير إلى استعراض أبرز المتاحف الموجودة في محافظة الأقصر، مع تسليط الضوء على أهميتها التاريخية، ومحتوياتها، ودورها في تنشيط السياحة الثقافية في مصر.
المتحف المفتوح.. جولة ساحرة بين الحجر والنقوش
يقع المتحف المفتوح بمعابد الكرنك، في الركن الشمالي الغربي، وهو المتحف "الذي لا يعرف سقفًا" فهو متحف مفتوح في الهواء الطلق، حيث لا توجد جدران أو سقف يحصر العرض، بل المعروضات (كالآثار والأعمدة والنقوش) موجودة في فضاء مفتوح تحت السماء، حيث يضم مجموعة من الآثار الهامة من أروع ما أنتج المصري القديم من فنون النحت والعمارة، كما يعد أحد الأماكن الأثرية التي أدهشت عشاق الحضارة والتاريخ المصري من كل دول العالم، لكونه يمثل إطلالة على التاريخ الفرعوني، فهو يُعد علامة مصرية قديمة من حيث التصميم والبناء والألوان والنقوش على الأحجار التي رسم عليها تفاصيل التاريخ المصري، وفي السطور التالية نتعرف على تاريخه، وأهم ما يضمه من قطع أثرية، بعد الانتهاء أخيرًا من مشروع تطويره.
ويقع المتحف المفتوح بمعابد الكرنك في الركن الشمالي الغربي، ويضم مجموعة من الآثار المهمة من أروع ما أنتج المصري القديم من فنون النحت والعمارة، كما يتمتع المتحف بالكثير من المقتنيات الفرعونية المهمة، حيث كان المصريون القدماء يعتقدون في فكرة البعث والخلود، وأن الإنسان سوف يحيا مرة أخرى، لذا كانوا يدفنون معهم مقتنياتهم الذهبية وأغراضهم الشخصية، مثل: الملابس والكتب والبرديات، بل كانوا يكتبون بالأحجار مسيرتهم الحياتية على جدران المقابر.
تم البدء في إقامة المتحف المفتوح في عام 1937، عندما تم تجميع الكتل الخاصة بمقصورة الملك سنوسرت الأول والتي تعتبر من أقدم المباني التي أقيمت بالكرنك، وترجع إلى عصر الأسرة الثانية عشرة، وأُطلِق عليها اسم «المقصورة البيضاء»، لأنها مُشيّدة من كتل من الحجر الجيري الأبيض المجلوب من محاجر طرة، وتتميز نقوشها بتفاصيل دقيقة تُعد مرجعًا لأسلوب النقش في عصر الدولة الوسطى.
وأعلنت وزارة السياحة والآثار في عام 2018، عن افتتاح المتحف المفتوح بالكرنك، وقد عبَّر الخبراء، آنذاك، عن سعادتهم، لكونه يجمع العديد من المقصورات التاريخية في عصور مصر القديمة، كما يحتوي على مقتنيات صغيرة تعكس كيف كان يعيش المصري القديم، والأدوات التي ساعدته على الحياة، حيث احتفلت الوزارة ومحافظة الأقصر حينها بافتتاح المتحف أمام الجمهور، تلاها قيام المجلس الأعلى للآثار بإنهاء مشروع تطوير خدمات الزائرين بالمتحف، وهو المشروع الذي استغرق العمل به نحو شهرين، ويستهدف تحسين التجربة السياحية للزائرين من المصريين والأجانب.
كما تضمن مشروع تطوير المتحف، تبليط الأرضيات ببلاطات من الحجر الرملي تتماشى مع طبيعة المنطقة الأثرية، إضافة إلى تثبيت لافتات إرشادية ومعلوماتية عن المتحف، وما يضمه من آثار، ووضع مقاعد خشبية لاستراحة الزائرين، فضلًا عن مجموعة من القطع الأثرية التي يجري عرضها للمرة الأولى، وإتاحة مسار زيارة للسياحة الميسرة من ذوي الهمم لتسهيل زيارتهم للمتحف، كما تم تزويد المتحف بعدد من القطع الأثرية المهمة، من بينها قطع للملك إخناتون وغيرها تخص الملك شاباكا من الأسرة الـ 25، وأخرى من العصر المتأخر.
ويضم المتحف أيضًا مقصورة الملكة حتشبسوت، التي تُعرف باسم «المقصورة الحمراء»، ويرجع سبب إطلاق هذا الاسم عليها إلى تشييد جدرانها بكتل من حجر الكوارتزيت الأحمر، وتحتوي المقصورة على مناظر ونقوش بديعة تخص الملكة حتشبسوت والملك تحتمس الثالث، وتتناول موضوعاتها علاقتها بالمعبود آمون رع، والتقدمات المتنوعة والأعياد المختلفة والمواكب المبهجة، وغيرها من المناظر والنقوش البديعة، كما يوجد بالمتحف فناء بأعمدة يرجع إلى عصر الملك تحتمس الرابع، ويُعد من العناصر المعمارية المميزة التي كانت مُشيّدة في الكرنك خلال عصر الأسرة الثامنة عشرة، وتتميز بنقوشها البديعة وألوانها المميزة، إضافة إلى مقصورتين منحوتتين من حجر الألباستر، الأولى للملك تحتمس الأول، والثانية للملك تحتمس الرابع، وتتميزان بدقة نقوشهما وتفاصيلهما الثرية. وفي أقصى الجانب الجنوبي من المتحف، يوجد جدار ضخم مبني من الحجر الرملي، يعتبر من أندر الآثار التي شُيدت بالكرنك، والتي ترجع إلى الملك أمنحتب الرابع، قبل أن يغيِّر اسمه إلى إخناتون، حيث يظهر الملك وهو يُؤدِّب الأعداء، ويضم المتحف العديد من الأعتاب المميزة وبقايا البوابات والعناصر المعمارية، التي تمثل أجزاءً من مبانٍ كانت مقامة بالكرنك قديمًا.
كما يوجد داخل المتحف المفتوح بمعابد الكرنك، أدوات الحياة اليومية القديمة عبارة عن عدة أواني مخصصة لتنفيذ وصفات الطبخ والمأكل والمشرب المختلفة، وكذلك إناء كبير يشبه كثيرا "يد الهون"، التي تستخدم حتى وقتنا هذا في تنعيم الثوم لاستخدامه في المأكولات، وكذلك إناء ضخم بمقبض كبير لطحن الحبوب والقمح وغيرها لكى يصنع منها خبز الشمس قديما، ومقصورة بيضاء تعود للملك سنوسرت الأول أو سيزوستريس الأول وهو ثاني ملوك الأسرة الثانية عشر، واشترك في حكم مصر مع والده خلال الأعوام 1975 إلى 1965 قبل الميلاد، ثم انفرد بحكم مصر بعد وفاة والده وامتدت فترة حكمه إلى 43 سنة، وأشرك ابنه في الحكم خلال الثلاثة أعوام الأخيرة من حكمه.
ومن جانبه، أوضح الدكتور صلاح الماسخ، مدير بمعابد الكرنك، أن فكرة إقامة المتحف المفتوح، ظهرت مع التوسع في أعمال الحفائر والاكتشافات والدراسات الأثرية في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حيث تلاحظ وجود كتل وعناصر معمارية تم العثور عليها أثناء أعمال الحفائر، ومع دراستها، أمكن تجميع أجزاء كبيرة منها، والتي تبين أنها كانت مقامة في مناطق عدة بالكرنك وتم تفكيكها في عصور لاحقة وتشييد عناصر معمارية أخرى مكانها، وحيث أنه كان هناك استحالة في إعادة بنائها في نفس مكانها الأصلي تم اختيار الموقع الحالي للمتحف المفتوح لإعادة بنائها مرة أخرى.
وأضاف الماسخ، أن المتحف يجمع رحلة الأسرة الفرعونية الثانية عشرة، ويقدم قراءة واضحة في طرق المعيشة والحروب التي خاضتها وتاريخها في تلك الفترة التاريخية، ويرجع حكم تلك الفترة إلى ملك يُدعى سنوسرت الأول، الذي تولى حُكم بلاد النوبة حين كان عُمره عشر سنوات فقط، وحقق الكثير من الانتصارات والتوسعات أثناء حكمه لمصر.
وكان إريك شوفالييه سفير دولة فرنسا بالقاهرة، قد أجرى مؤخرًا زيار ة إلى معابد الكرنك، معلنًا عن بدء خطة تطوير شاملة داخل المتحف المفتوح بتكلفة 37 مليون جنيه، بدعم الجانب المصري والمركز الفرنسي بالكرنك، مضيفًا أنه توجد خطة ثلاثية لتطوير المتحف المفتوح تشمل ترميمات المقاصير وتجديد المتحف، وثانيا ترميمات بوابات رمسيس وأمنحتب، وثالثا دعم أطفال مصر وفرنسا وتوعيتهم خلال زيارة المعابد المصرية.


































0 تعليق