تتزايد المؤشرات العسكرية والاستخباراتية التي ترجّح إمكانية اندلاع “الحرب الثانية” بين إسرائيل وإيران خلال الأشهر القادمة، وسط حركة نشطة داخل المؤسسة الدفاعية الإسرائيلية لتحديث عقيدتها القتالية. وفي هذا السياق، تستعد تل أبيب لإدخال منظومة "الشعاع الحديدي"—أول سلاح ليزري عالي الطاقة—إلى الخدمة العملياتية بنهاية ديسمبر الجاري، في خطوة وصفت بأنها “تحول استراتيجي غير مسبوق”.
دروس حرب الأيام الاثني عشر… وانهيار الدفاعات التقليدية
أوضح يوحنان تسوريف، كبير الباحثين في معهد دراسات الأمن القومي من خلال حديثة لبرنامج “التاسعة” على قناة سكاي نيوز عربية، أن تطوير المنظومة جاء نتيجة مراجعة معمقة داخل الصناعات الدفاعية الإسرائيلية عقب حرب الأيام الإثني عشر، حين أطلقت إيران نحو 600 صاروخ وأكثر من 1000 مسيّرة. الهجمات الكثيفة أغرقت القبة الحديدية ومنظومات الدفاع التقليدية، وأظهرت هشاشة حقيقية في قدرتها على التعامل مع عمليات “الإغراق النيراني”.
سلاح منخفض الكلفة… يعيد معادلة الدفاع إلى نقطة البداية
ويُنظر إلى الليزر كخيار اقتصادي وعملي، إذ لا تتجاوز تكلفة “ضربة الليزر” نصف دولار، مقارنةً بعشرات آلاف الدولارات لكل صاروخ اعتراضي. ويقول تسوريف إن المنظومة ستسمح لإسرائيل بإدارة مخزونها الدفاعي بكفاءة أعلى، وتوفير حماية شبه دائمة دون استنزاف الذخائر أو الميزانيات.
الشعاع الحديدي… تغيير جذري في قواعد الحرب
وبحسب تقديرات الخبراء، فإن المنظومة قادرة على اعتراض المسيّرات والقذائف قصيرة ومتوسطة المدى خلال أقل من ثانية، مستفيدة من سرعة الضوء التي توفر رد فعل فوري تجاه التهديدات. ورغم أن صواريخ إيران البعيدة المدى ما تزال خارج نطاق المنظومة، فإن جهود التحديث جارية لزيادة المدى وتعزيز القدرات الاعتراضية.
إيران وإسرائيل… احتمالات ضربة ومحاذير سياسية
ومن جانبها نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن دبلوماسي أوروبي تقديره بأن إسرائيل قد تُقدم على ضربة لإيران خلال 12 شهراً، لكن تسوريف يصف هذا التوقع بأنه “مضخم وغير دقيق”، مؤكداً أن عامًا كاملًا فترة طويلة تتغير خلالها حسابات السياسة والإقليم. ويشير إلى أن قرار الحرب محكوم بعاملين: مستقبل التفاهمات النووية بين واشنطن وطهران، وتوجهات الحكومة الإسرائيلية المقبلة بعد الانتخابات المرتقبة.
الولايات المتحدة… اللاعب الهادئ الذي يضبط الإيقاع
ويشدد تسوريف على أن الإرادة الأميركية تظل عاملاً حاسمًا في قرار الحرب، إذ تسعى واشنطن إلى تجنب اشتعال جبهات جديدة، بينما تحاول إدارة الوضع في غزة ولبنان وسوريا ضمن مقاربة “التهدئة القصوى”. ومع ذلك، يقول إن إسرائيل ستتماشى مع الرؤية الأميركية “ما دامت لا تهدد أمنها المباشر”.
تحالف التهديدات… وتحوّل منظومة الدفاع إلى مفهوم جديد
ولا يقتصر مشروع الليزر على كونه سلاحًا جديدًا، بل يمثل—وفق خبراء الأمن الدفاعي—محاولة لإعادة صياغة عقيدة الدفاع الجوي، بحيث تقلّ الحاجة للمنظومات باهظة الكلفة كالقبة الحديدية ومقلاع داود وآرو، والاعتماد بدلًا منها على شبكة دفاعية تدمج بين الليزر والتقنيات التقليدية.
كما تشير تقديرات مراكز الدراسات العسكرية، ومنها معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، إلى أن إدخال منظومة "الشعاع الحديدي" ليس مجرد استجابة ظرفية لهجوم إيراني، بل جزء من استراتيجية بعيدة المدى تهدف إلى حماية الجبهة الداخلية بأقل تكلفة وتقليل الاعتماد على الدعم الخارجي، خصوصاً الأميركي.
وفي ظل بيئة إقليمية مشحونة، وجبهات مفتوحة في غزة ولبنان، وخلافات أميركية–إسرائيلية حول التوقيتات العسكرية، يبدو أن “الحرب الثانية” ليست حتمية لكنها احتمال قائم. وبينما تواصل إيران تطوير قدراتها الصاروخية والمسيّرة، تتحرك إسرائيل إلى الأمام في سباق تقني يهدف إلى جعل السماء “أقل تكلفة وأكثر تحصيناً”، استعداداً لمرحلة قد تتحدد فيها موازين القوة بالميلي ثانية وسرعة الضوء .

















0 تعليق