في خطوة بحثية تُعد من أهم الاكتشافات العلمية في مجال مراقبة الحياة البرية خلال السنوات الأخيرة، تمكن فريق من جامعة إكستر من فك شفرة صوتية غير معروفة سابقًا لدى الأسود الأفريقية، بعد رصد ما أطلق عليه العلماء اسم "الزئير الوسيط"، وهو نمط صوتي جديد يكشف أن تواصل هذه الحيوانات أكثر تعقيدًا مما كان يعتقده الباحثون لعدة عقود.
ويعتمد هذا الاكتشاف على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي استطاعت، لأول مرة، تحليل آلاف السجلات بدقة متناهية، ما أحدث تحولًا جذريًا في فهم اللغة الصوتية للأسود.
الذكاء الاصطناعي يكتشف بصمة صوتية لم تُسجَّل من قبل
أكد الدكتور جوناثان جروكوت، الباحث المتخصص في تكنولوجيا حماية الحيوانات آكلة اللحوم، أن الذكاء الاصطناعي فتح بابًا جديدًا لفهم أشكال التواصل بين الأسود، حيث أوضح أن الزئير ليس مجرد رمز للقوة، بل يحمل توقيعات صوتية دقيقة يمكن استخدامها لتحديد أعداد الحيوانات ومراقبة كل فرد منها بشكل غير مسبوق من الدقة.
وكان الاعتماد التقليدي على الخبراء في التمييز بين أصوات الأسود يترك مساحة واسعة للخطأ البشري، بينما وفّرت الأنظمة الحديثة قدرات تحليلية سمحت بفصل الأنماط الصوتية وتسجيل وجود "الزئير الوسيط" إلى جانب الزئير المعروف عالي الحدة.
نقض النظريات القديمة حول زئير الأسود
لعقود طويلة، ساد الاعتقاد بأن الأسود تنتج نوعًا واحدًا من الزئير، غير أن نتائج الدراسة الجديدة أظهرت أن النظام الصوتي للأسود أكثر تنوعًا مما كان يُظن، إذ يشير وجود رنينين صوتيين مختلفين إلى أن الأسود قد تمتلك منظومة اجتماعية معقدة ترتبط بالأدوار الحيوية داخل القطيع، مثل الحماية والتزاوج وتحديد مناطق النفوذ.
ويعزز هذا الاكتشاف نتائج مشابهة رُصدت لدى الضباع المرقطة، ما يعني أن الحيوانات آكلة اللحوم قد تعتمد على طيف صوتي واسع لم يُدرَس بعد بالشكل الكافي، وهو ما يدفع العلماء لإعادة النظر في كثير من المفاهيم المرتبطة بالسلوك البيئي لهذه الأنواع.
ثورة في أساليب مراقبة الحيوانات المهددة
تشير تقديرات الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة إلى أن أعداد الأسود الأفريقية لا تتجاوز 20 إلى 25 ألف أسد فقط، بعد تراجعها بنسبة النصف خلال ربع قرن نتيجة تدمير الموائل والصيد غير المشروع.
وهنا تأتي أهمية الرصد الصوتي المدعوم بالذكاء الاصطناعي، والذي يوفّر بديلاً أكثر دقة وكفاءة مقارنة بالأساليب التقليدية مثل مصائد الكاميرات أو تتبُّع الآثار.
ويؤكد الباحثون أن تقنيات المراقبة الصوتية السلبية ـ التي تعتمد على وضع أجهزة تسجيل تعمل على مدار اليوم ـ ستصبح حجر الأساس في متابعة الحيوانات المهددة، لأنها قادرة على التقاط أنماط تواصل لا يمكن رصدها بالعين أو الكاميرا، ما يوفر بيانات يمكن أن تغيّر مستقبل خطط الحماية البيئية.
يكشف هذا الاكتشاف أن زئير الأسود ليس صوتًا واحدًا كما كان يُعتقد، بل لغة متعددة الطبقات تعكس عالمًا سريًا من التواصل الحيواني. ومع تطور الذكاء الاصطناعي، يبدو أننا على وشك الدخول في مرحلة جديدة لفهم الحياة البرية بطرق أكثر دقة وإنسانية واستدامة.














0 تعليق