في ظل الجدل المتكرر حول بعض الأحاديث النبوية التي تُفهم على غير وجهها الصحيح، عاد الحديث المعروف بـ«سجود الزوجة لزوجها» إلى الواجهة من جديد، بعد أن قدّم الشيخ إبراهيم عبد السلام، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، توضيحات شاملة حول معناه الحقيقي، مؤكدًا أن النص النبوي كثيرًا ما يتم اقتطاعه من سياقه أو تحميله ما لا يحتمل.
المعنى اللغوي للحديث.. أداة تمنع الوقوع
أوضح أمين الفتوى أن حديث النبي ﷺ:
«لو كنت آمراً أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها»
هو حديث صحيح وثابت، إلا أن فهمه الدقيق يتوقف على إدراك معنى كلمة «لو» في اللغة العربية.
وبيّن أن «لو» من أدوات الامتناع، ما يعني استحالة وقوع السجود لغير الله عز وجل؛ فالنبي ﷺ لم يأمر به، ولن يأمر به أصلًا، إذ إن السجود عبادة لا تجوز إلا لله تعالى.
سجود يُفهم مجازًا.. وليس طاعة عمياء
وأكد الشيخ عبد السلام أن السجود الوارد في الحديث ليس سجودًا فعليًا للتعظيم، وإنما هو كناية عن شدة الاحترام والتقدير، جاءت لتبيين عِظم حق الزوج إذا كان أهلًا لهذه المكانة.
وأضاف أن بعض الناس يستخدمون الحديث كوسيلة لإثبات هيمنة الرجل أو فرض الطاعة المطلقة، بينما المقصود منه في جوهره رفع مستوى الأخلاق داخل البيت، وليس تكريس الاستبداد أو السيطرة.
القِوامة مسؤوليّة لا تسلّط
ولفت أمين الفتوى إلى أن الحديث يضع على عاتق الرجل مسؤولية كبيرة، لأن احترام الزوجة لزوجها ينبع من سلوك الزوج ذاته، فالقِوامة كما أرادها الإسلام هي رعاية واحتواء وإنفاق وحسن عشرة، لا أوامر وتعنيف وصوت مرتفع.
وشدد على أن الزوج الذي يحقق هذه المعاني يصبح موضع ثقة زوجته ومحبتها تلقائيًا، دون الحاجة لفرض الطاعة بالقوة أو التوجيه.
النبي ﷺ قدوة في التعامل مع الزوجات
واستشهد الشيخ إبراهيم عبد السلام بسيرة النبي ﷺ مع زوجاته، حيث كان مثالًا في اللين وحسن المعاملة، لم يعيب طعامًا قط، ولم يرفع صوته، بل كان في خدمة أهله، ويتغافل عن الهفوات الصغيرة، ويختار الوقت المناسب للنصيحة في جوّ من الرفق والاحترام.
المعنى الحقيقي للحديث.. رسالة للرجال
وفي ختام توضيحاته، أكد أمين الفتوى أن الحديث ليس دعوة لسجود الزوجة ولا لفرض الهيمنة، بل رسالة أخلاقية للرجال أولًا، تدعوهم إلى أن يكونوا أهلًا للتقدير من خلال حسن الخلق والمعاملة الطيبة، ليقوم البيت على المودة والرحمة والاحترام المتبادل.
هذا التفسير يعيد التأكيد على أن الأحاديث النبوية لا تُفهم بمعزل عن اللغة والسياق والمقاصد العليا للشريعة، التي جاءت لصناعة إنسان راقٍ وأسرة متوازنة ومجتمع يقوم على العدل والرحمة.














0 تعليق