في طرح فكري يُعد من أهم ما كُتب في السنوات الأخيرة حول مستقبل الدور المصري، كشف أحمد المسلماني، رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، عن إطار شامل للقوة الناعمة المصرية، قدّم خلاله تصورًا جديدًا لما أسماه «المربع الذهبي للقوة الناعمة»، باعتباره مفتاحًا لعودة الريادة الفكرية لمصر في القرن الحادي والعشرين.
المقال الذي نُشر على موقع الهيئة الوطنية للإعلام، جاء كخريطة طريق عملية لإعادة بناء النفوذ الثقافي والديني والحضاري لمصر، في وقت يشهد العالم اضطرابًا فكريًا وهويات متصارعة وقوى إقليمية تبحث عن موقع في خريطة النفوذ الدولي.
مصر تعود إلى مركز القيادة.. “الضلع الأول”: الريادة الفكرية العربية
يشدد المسلماني على أن مصر كانت – ولا تزال – صاحبة البصمة الأكبر في تشكيل العقل العربي منذ القرن التاسع عشر.
فمن الطهطاوي والعطار، إلى زويل ومحفوظ، ومن الصحافة الرائدة إلى السينما والدراما، قادت مصر حركة التنوير لعقود طويلة.
لكن التحولات الرقمية وثورة المنصات المكلفة فرضت منافسين جدد، وهو ما يتطلب – بحسب المسلماني – عودة مصر إلى تموضع ثقافي جديد يضمن مخاطبة أكثر من 600 مليون عربي بحلول 2050.
ويرى أن تجديد موجة الإنتاج الأدبي والفلسفي وإعادة صناعة المحتوى الرصين أصبح ضرورة لإعادة مصر إلى موقعها الطبيعي كـ«قلب الفكر العربي».
“الضلع الثاني”: الأزهر.. القوة الرمزية الأكبر للمسلمين حول العالم
يقدّم المسلماني الأزهر باعتباره كنزًا استراتيجيًا تمتلكه مصر دون منافس.
فالأزهر – كما يقول – هو المؤسسة التي تستمع إليها 1.8 مليار مسلم بثقة كاملة، وهو أحد آخر أعمدة الفكر الإسلامي العقلاني في عالم تتجاذبه نزعات التشدد والتسييس.
ويشير إلى أن رؤساء ووزراء ونخبًا مؤثرة في أفريقيا وآسيا هي في الأصل خريجة الأزهر، ما يجعل تفعيل دوره العالمي اليوم ضرورة سياسية وثقافية، وليس مجرد خيار.
ويقترح أن تكون المنظمة العالمية لخريجي الأزهر منصة دولية كبرى، إلى جانب إطلاق قنوات ومنصات بلغات البنغالية والأردية والإندونيسية والسواحلية والفارسية والتركية.
“الضلع الثالث”: رحلة العائلة المقدسة.. جسرٌ مباشر إلى 2.2 مليار مسيحي
يصف المسلماني زيارة السيد المسيح والعائلة المقدسة لمصر بأنها “أعظم رواية روحية في الشرق”.
ويوضح أن إحياء مسار الرحلة – الذي تم في عهد الرئيس السيسي – يمثل فرصة تاريخية لمخاطبة الكنائس حول العالم، وربط المسيحيين عالميًا بمصر كأرض مقدسة وحاضنة لواحدة من أقدم الكنائس في التاريخ.
ويرى أن هذا الضلع يمنح مصر قوة روحية ناعمة لا تملكها أي دولة في المنطقة.
“الضلع الرابع”: الحضارة الفرعونية.. رسالة خالدة إلى 8 مليارات إنسان
يشير المسلماني إلى أن موكب المومياوات الملكية، وطريق الكباش، وافتتاح المتحف المصري الكبير، أعادوا تقديم مصر للعالم كحضارة لا يتجاوزها الزمن.
ويؤكد أن كل طفل في العالم يعرف الأهرامات، وأن علم المصريات لا يخلو منه أي مجتمع أكاديمي دولي.
ويقدّم الحضارة الفرعونية كذراع عالمي يخاطب البشرية كلها، من دون حدود جغرافية أو دينية.
رؤية تنفيذية.. الثقافة أولًا.. والرقمنة حصن النفوذ الجديد
يؤكد المسلماني أن نجاح هذا المربع يتطلب مؤتمرات فكرية كبرى لكل ضلع على حدة ,فتح الباب أمام موجة جديدة من الروائيين والفلاسفة والمؤرخين ,احتضان العلماء المصريين بالخارج، خصوصًا في مجالات الرياضيات والذكاء الاصطناعي ,بناء ظهير رقمي يحمي الهوية ويوسّع النفوذ الثقافي عالميًا>
مصر تكتب فصلًا جديدًا في معركة النفوذ الناعم
يؤكد التقرير أن رؤية المسلماني ليست مجرد مقترح ثقافي، بل هي( خطة استراتيجية) لعودة( مصر) إلى قلب المشهد العالمي، قادرة على تحويل الثقل التاريخي والروحاني والحضاري المصري إلى قوة سياسية وثقافية مؤثرة في عالم مضطرب يبحث عن قيادة عقلانية.
إن “المربع الذهبي” يمثل – وفق التحليل – الباب الذي يمكن أن تعود منه مصر إلى صدارة( الفكر العربي)، وقيادة العالم الإسلامي، والتواصل مع المسيحية العالمية، وتقديم حضارتها للبشرية كحكاية تستحق أن تُروى دائمًا.

















0 تعليق