صدر، مؤخرًا، عن دار بتانة للنشر، كتاب جديد للأخ والصديق العزيز الدكتور محمد الباز بعنوان «هيكل ومبارك.. حروب باردة بين الكاتب والرئيس». هذا الكتاب يقع فى جزأين متضمنًا بالتحديد ٧٤٤ صفحة.
والمعروف عن الدكتور الباز أنه عندما يكتب نراه يشتبك كالعادة فكريًا وثقافيًا وسياسيًا بشكل واعٍ ودراسة أكاديمية قبل أن تكون صحفية. ولذلك فإن هذا الكتاب يعد وثيقة تاريخية مهمة جدًا لفترة حكم الرئيس الراحل حسنى مبارك، قبل أن تكون وثيقة عن علاقة الكاتب محمد حسنين هيكل بالرئيس مبارك.
ويعد هذا الكتاب، أيضًا، هو الوحيد الذى صدر طيلة الخمسة عشر عامًا الماضية عن فترة حكم مبارك، باستثناء بسيط قام به الأخ والصديق العزيز أكرم القصاص. الباز يشرح كثيرًا من الأحداث الغامضة فى الحياة السياسية المصرية خلال فترة حكم مبارك، خاصة أنه عندما يكتب لا يتناول الأمور بعقلية سردية فقط، وإنما يريد أن يصل إلى الحقائق بعقلية الباحث العلمية الممنهجة.
هذا الكتاب عرّى فيه الباز الكاتب محمد حسنين هيكل، وأيضًا كشف عن أمور كثيرة تتعلق بفترة حكم الرئيس مبارك. فالكتاب الذى يضم جزأين كبيرين، ليس رواية سردية من وجهة نظر الكاتب، وإنما نستطيع بكل قوة أن نعده من الوثائق التاريخية المهمة لهذه الفترة التاريخية من حكم الرئيس مبارك. وقد اعتمد الكتاب على استشهادات كثيرة لتأييد فكرة الباز بشكل واضح وصريح. وبمنطقية المؤرخين، نجد أن هذه الوثيقة التاريخية، التى تعد جديدة فيما يتعلق بفترة حكم الرئيس مبارك، لم يتناولها أى كاتب بهذا الشكل من قبل. فالكتاب يرصد الحياة السياسية المصرية من خلال العلاقة بين هيكل ومبارك. وهذه العلاقة دائمًا ما كانت مشوبة باختلافات، وباستعلاء واضح من جانب هيكل كعادته على مر تاريخه. والكتاب يطرح حقائق كثيرة لا تعرفها الأجيال الجديدة ولا حتى يعرفها كثير من المفكرين والمثقفين. وبالتالى هو يسلط الضوء على فترة سياسية بالغة الأهمية فى تاريخ مصر.
الكتاب يقتحم مناطق مهمة جدًا لا يعرفها الكثيرون، وهو ما وصفه الدكتور الباز فى مقدمته بأنه لا بد على مَن يقرأ هذا الكتاب أن يعرف أنه يقتحم الأسلاك الشائكة، فيما يعد وصفًا دقيقًا لعلاقة الكاتب بالرئيس مبارك، وبرؤية أوسع علاقة المثقف أو الصحفى بالسلطة السياسية. ومن هنا جاءت هذه المقدمة ضرورية وأساسية. وكيف أن الرئيس مبارك تخلى تمامًا عن هيكل ولم يعد يعتبره الكاتب الأوحد. وجاءت المشاكسات الكثيرة بين الاثنين من خلال عدة أمور سردها الباز بطريقة مشوقة، تجعل من يقرأ الكتاب يلتهمه التهامًا حتى نهايته رغم عدد صفحاته الكثيرة. وعلى كل حال نجد الباز يعرّى هيكل، وفى ذات الوقت أيضًا نجد بعض الإنصاف للرئيس مبارك بشكل واضح وصريح، ما يعنى أننا نلمح الكثير من الأمور التى نجد فيها الباز يصف مبارك بالذكى والمحنك.
أيضًا يتحدث الباز عن أمر بالغ الأهمية، وهو علاقة هيكل بحزب الوفد وتحديدًا بفؤاد سراج الدين صديق السجن. ففى عام ١٩٨١ عندما اعتقل السادات كل رجالات الدولة على مختلف مشاربهم وأفكارهم وأديانهم نشبت علاقة صداقة بين هيكل وسراج الدين، وهو ما سأتعرض له لاحقًا بشأن المقال الممنوع من النشر فى صحيفة «الوفد».
وأعتقد أيضًا أن اشتباك الدكتور الباز مع هيكل فى هذا المقال يعد أمرًا بالغ الأهمية، وهو رد مباشر على كل الدراويش من الناصريين ودراويش هيكل نفسه. فقد شرح بمنطق واضح وصريح ورؤية بالغة من خلال استشهادات كثيرة أن هيكل الذى أمد الله فى عمره كان ذلك أحد الأسباب الرئيسية التى جعلت له كل هذه الشهرة الكبيرة. وزاد من الأمر أن دراويش هيكل كانوا كثرًا، وما زالوا حتى الآن. وأعتقد أن هذا هو اشتباك آخر من جانب الباز مع هؤلاء. ولأن الباز يمسك بمفاتيح الكلمات بقدرة فائقة، فإنه لا يدع كلمة تدينه أو تدخله فى معارك جانبية مع هؤلاء الدراويش. وبالتالى فإن رؤية الباز العميقة فى هذا الكتاب تؤكد أن هناك- كما ذكرت- اشتباكًا عنيفًا مع هؤلاء الدراويش، ولكن بعقلانية بحتة تجعله يخرج بسلام من سهامهم.
وهناك أمر آخر أن لغة الكتاب ليست باللغة الصحفية المعتادة، وإنما بحث دقيق أكاديمى لفترة بالغة الأهمية من تاريخ مصر السياسى. وتمثلت فى العلاقة بين هيكل ومبارك. وبالتالى لا يؤخذ على الباز أبدًا أن حجم الكتاب كبير، لأنه يعد بحثًا دقيقًا عن هذه الفترة لكل من يريد أن يعرف الكثير من الحقائق التى كانت تدور خلال فترة حكم مبارك.
وفى الواقع، أيضًا، أن هذا السرد التاريخى الذى عرضه الباز يعد الأول عن فترة حكم مبارك، وكما قلت سابقًا، هو وثيقة تاريخية بالغة الأهمية وتفوق فيها الباز على كل المؤرخين الذين لم يتحدثوا أو يصدروا حتى الآن كتبًا عن هذه الفترة. وقد تكون لأسباب كثيرة يأتى أبرزها أن هؤلاء الباحثين والمؤرخين لا يريدون أن يشتبكوا مع الواقع الجديد الذى حدث منذ ٢٠١١ حتى الآن.
وللحديث بقية.














0 تعليق