قال الدكتور يسري عبدالله: وفي رواية "عتبات الجنة" يمكث الضابط المصري "حواش منتصر" في قلب أفريقيا، لنرى كل شئ في متن الدهشة، فالرواية التي تضع قدمًا في التاريخ، وأخرى في الواقع، لا تستجلي جانبًا من التاريخ المصري الحديث فحسب، بل تتماس مع راهنها أيضًا، حين تشير إلى البسالة النادرة التي أبداها الجنود والضباط المصريون في معاركهم النبيلة ضد تجارة الرقيق، وضد الحركات الرجعية التي حاولت أن تصنع امتداداتها في السودان وأفريقيا آنذاك، وساعية إلى التوسع داخل الأراضي المصرية أيضَا.
منتدى أوراق بجريدة الدستور
جاء ذلك خلال فعاليات ندوة منتدى "أوراق"، الذي تقيمه جريدة "حرف" الثقافية، بمؤسسة الدستور الصحفية، حيث تلتقي الكاتب الروائي فتحي إمبابي، ويقدم اللقاء الناقد الدكتور يسري عبدالله.
وتابع عبدالله: فالرحلة التي يقطعها الاثنى عشر ضابطا مصريا ومعهم ثلاثة عشر ألف جندي إلى العمق الأفريقي لقياس أعالي النيل، بحسب المعلن من هذه الرحلة التي اكتست بظلال عجائبية، كانت في جوهرها محاولة للنفي والإقصاء المطلق من قبل السير الإنجليزي " إيفلين وود" بالتحالف مع الخديوي توفيق لتوريط الجنود المصريين في حروب لا تنتهي.
وأوضح عبدالله، قد لعبت الرواية على مساحات الجدل بين التسجيل والتخييل، بين التوثيق التاريخي للمرحلة التي تلت فشل الثورة العرابية، والمتخيل الروائي، أو بين التاريخ والفن، فإنها قد صنعت منطقها الجمالي بطريقتها، حين قدمت مناطق بِكرا في أفريقيا، عبر حكايات يتصل ماضيها بحاضرها، ومن خلال البطل المركزي في الرواية "حواش منتصر"، الذي أضحى فاعلا في فضائه الأفريقي الجديد الذي توطدت علاقته به حتى صار جزءا أصيلا منه.
يأتي اللقاء في إطار محور "تجارب وشهادات"، حيث يلقي فتحي إمبابي شهادته الإبداعية عن نصه السردي، والتحولات التي شهدتها الكتابة، وخماسية النهر لديه، ورؤيته للمشهد الراهن.
ويتحدث د. يسري عبدالله عن الملامح الفكرية والجمالية للمشروع الروائي للكاتب الكبير فتحي إمبابي.
في مستهل تقديمه للندوة، قال الناقد والأكاديمي الدكتور يسري عبدالله: إن روايته "نهر السماء" يمكننا أن نبدأ، من الانتخاب الجمالي للحظة مفصلية في عمر الأمة المصرية، وهي الفترة التي تسبق مجيء الحملة الفرنسية إلى مصر، حيث يمارس الكاتب الروائي فتحي إمبابي لعبا مع التاريخ، طارحا من خلاله سؤال الهوية بوصفه أحد أهم الأسئلة المعرفية والجمالية في الرواية العربية، نستعيد هنا مثلا تحولات إيليا بتروفيتش، الذي صار القائد المملوكي عمر لاجين.
وكان لدى إمبابي هنا عالم واقعي، ينتج تخييله الخاص، الذي ينبت في قلب المأساة، في قلب المفارقة، حيث يتحكم العبيد المجلوبين من أصقاع الأرض في المصريين الأصلاء من الفلاحين، وهي الفكرة التي عبر عنها إميل لودفيج في كتابه المهم " النيل.. حياة نهر" بأن الأمة المصرية تكاد أن تكون الأمة الوحيدة التي تحكم فيها العبيد في الأحرار لقرون طويلة، كان كل شيء معدا للنزال، ممهدا للولوج في متن التاريخ والواقع معا، حيث ثمة قدم ظاهرة في التاريخ، وأخرى مضمرة في الواقع.
فتحي إمبابي
تجدر الإشارة إلى أن فتحي إمبابي تخرّج في كلية الهندسة، وعمل مهندسًا حتى بلغ سن التقاعد، وحصل على جائزة الدولة التشجيعية في العام 1995 عن روايته "مراعي القتل"، وأصدر كذلك روايات "العرس"، "نهر السماء"، "أقنعة الصحراء"، "العلَم"، "شرف الله"، و"عتبات الجنة"، وله مجموعة قصصية عنوانها "السبعينيون"، بالإضافة إلى كُتب "سهام صبري زهرة الحركة الطلابية"، "الروافد الاجتماعية لجيل السبعينيات"، "جنة الدساتير"، القصة والسيناريو والحوار للمسلسل التليفزيوني "طيور الشمس" 2002. ويعد فتحي إمبابي أحد أهم الروائيين المعاصرين، في السردية المصرية، والعربية.
خماسية النهر.. ملحمة فتحي إمبابي السردية
كانت الرواية الأولي من خماسية النهر، قد صدرت تحت عنوان "نهر السماء"، عن دار الفكر المعاصر عام 1987، كما صدرت في طبعة أخرى عن مشروع مكتبة الأسرة 2002.
أما الرواية الثانية من خماسية النهر، فصدرت بعنوان “عتبات الجنة”، عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 2014.وفي العام 2022، صدرت الرواية الثالثة من الخماسية، بعنوان "رقص الإبل"، عن الهيئة المصرية العامة للكتاب أيضًا، والرواية الرابعة "عشق"، والتي تصدر قريبًا عن دار روافد للنشر، فضلًا عن الرواية الخامسة، "منازل الروح"، في جزءين هما، الحرية أو الموت، والعودة إلى الوطن.
















0 تعليق