ما الموسيقا؟.. سؤال حاول الناقد الموسيقي الراحل الدكتور زين نصّار (4 يناير 1942 – 25 سبتمبر 2022)، أستاذ النقد الموسيقي بالمعهد العالي للنقد الفني، أن يجيب عنه في كتابه "ما الموسيقا" ضمن سلسلة "ما" الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.
يعرّف نصّار الموسيقى بأنها أنغام تنساب من صوت الإنسان أو من الآلات الموسيقية أو من كليهما معًا، فتحدث أثرًا مباشرًا في المتلقي. ويرى أن الغناء، بوصفه أقدم أشكال التعبير الموسيقي، لعب دورًا جوهريًا في صياغة المشاعر الإنسانية على اختلافها؛ من حب ووجدٍ وشجن، إلى التعبيرات الدينية والاحتفالية. ومع تطور المجتمع، انتقل الغناء من الأداء الفردي إلى المصاحبة الآلية، ثم إلى الفرق الموسيقية الكبيرة التي نعرفها اليوم.
ويشير نصار إلى أن التأثر بالموسيقا والغناء فطرة إنسانية أصيلة، وأن عددًا قليلًا فقط من البشر يمتلكون موهبة الإبداع الموسيقي؛ وهم المؤلفون والملحنون والمطربون والعازفون. أما الغالبية العظمى من الناس فهم متلقّو هذا الفن، والمسؤولية الأكبر - كما يشدد - تقع على عاتق المؤسسات الثقافية في نشر الوعي الموسيقي، حتى يصبح الجمهور قادرًا على التذوق والحكم والتقييم.
وفي مقاربة موازية، يورد نصّار ما جاء في كتاب الفيلسوف فؤاد زكريا "التعبير الموسيقي"، الذي يؤكد أن مكانة الموسيقى ليست وليدة العصور الحديثة، بل إن القدماء أدركوا عمق تأثيرها في النفس. ويشرح زكريا أن الموسيقا تختلف عن كل الفنون الأخرى لأنها لا تقلّد شيئًا ولا تمثّل الواقع؛ فالرسم والنحت والأدب جميعها تحاكي العالم الخارجي بوسائلها، بينما تعتمد الموسيقى على أصوات لا تُستمد من الطبيعة بل من آلات مصنوعة أو غناء مدرّب، يجعل ذبذبات الصوت منتظمة وقابلة للمعالجة الفنية.

ويضيف أن ما يبدو "تقليدًا للطبيعة" في بعض الأعمال الموسيقية، مثل محاكاة أصوات الطيور في السيمفونية السادسة لبيتهوفن، ليس تقليدًا مباشرًا بقدر ما هو إيحاء فني يستلهم عناصر الطبيعة ليحوّلها إلى مادة موسيقية راقية.
وبهذه الخصائص، أصبحت الموسيقا فنًا مستقلًا لا يترجم إلى لغة أخرى، بخلاف الشعر أو الفنون البصرية. فالتجربة الموسيقية - كما يؤكد زكريا - لا تُفهم إلا من داخلها، ولا يمكن التعبير عن تأثيرها بوسيلة أخرى غير سماعها. ومن هنا، شاع وصفها بأنها "لغة عالمية مكتفية بذاتها".
وبعد هذا التمهيد الفلسفي والفني، يدعو نصّار القارئ إلى التعرف على أنواع المؤلفات الموسيقية والاستماع إليها، ليكتمل تذوق هذا الفن ويكتشف جمالياته المتعددة.













0 تعليق