تحلّ رومانيا ضيف شرف على الدورة المقبلة معرض القاهرة الدولي للكتاب، مع وجوه وأسماء احتفت بها الساحة الأدبية الأوروبية والعالمية خلال العقود الأخيرة.
ونقف عند واحد من ابرز الكتاب الرومانيين نورمان مانيا والذي تجسد رحلته الإبداعية حياة للمنفى بدءا من اعتقاله في ترانسنيستريا وصولا للنفى الاختياري إلى نيويورك.
يُعدّ الكاتب الروماني البارز نورمان مانيا واحدًا من أبرز الأصوات الأدبية في أوروبا الشرقية خلال النصف الثاني من القرن العشرين.
وُلد عام 1936، وواجه مبكرًا محنة المنفى القسري؛ إذ رُحِّل عام 1941، وهو طفل، مع عائلته وجميع سكان منطقته من اليهود إلى معسكر اعتقال في ترانسنيستريا على يد السلطات الفاشية المتحالفة مع النازية.
عاد إلى رومانيا بعد الحرب، وأكمل تعليمه بتفوّق قبل أن يحصل على درجة الماجستير في الهندسة عام 1954، ويبدأ مسيرة مهنية في التخطيط والبحث، قبل أن يكرّس حياته بالكامل للكتابة منذ سبعينيات القرن الماضي.
ظهر مانيا أديبا لأول مرة عام 1966 عبر مجلة «حكاية الكلمة»، إحدى التجارب الطليعية التي لم تعش طويلًا في ظل الرقابة الشيوعية.
ومع ازدياد التضييق ضده في الثمانينيات، غادر رومانيا عام 1986 إلى ألمانيا، ثم استقر منذ 1988 في الولايات المتحدة، حيث شغل كرسي فرانسيس فلورنوي للدراسات الأوروبية والثقافة في كلية بارد بنيويورك حتى تقاعده عام 2017.
ترجمت أعماله إلى أكثر من 30 لغة، وتعيد دار «بوليروم» نشر أرشيفه الأدبي في 25 مجلدًا. كما رُشّح مرارًا لجائزة نوبل للآداب خلال العقدين الأخيرين.
“ظل منفي”.. رواية الذاكرة الممزقة والهوية المُرتحلة
في أحدث أعماله، رواية «ظل منفي»، يقدّم مانيا نصًا شديد الكثافة والإحكام، قائمًا على أسلوب «الكولاج» السردي الذي يمزج بين زمنين ومجموعة من الأصوات. تتقاطع في الرواية تجربة الناجي من الهولوكوست مع سنوات القمع الشيوعي ومنفى الولايات المتحدة، لتعيد بناء الذاكرة بوصفها مساحة كسر وترميم في آنٍ واحد.
تدور الرواية حول علاقة البطل بأخته غير الشقيقة، رفيقته في معسكرات الاعتقال، وبصديق طفولته «غونتر»، المنفي في برلين والمهووس بالذنب الألماني وتاريخ الفاشية. عبر هذه العلاقات، ينسج مانيا تأملًا واسعًا في قرنٍ مشحون بالقومية، والفاشية، ومعاداة السامية، والشيوعية، والمنفى.
في هذه الرواية، يقدّم مانيا عملًا عميقًا ومركّبًا يُجسّد ما يسميه النقاد «كتابة المنفى الكبرى»، حيث تتداخل الأسطورة الشخصية مع التاريخ الجمعي في سردٍ يتأرجح بين السخرية والمرارة وحكمة من عاش على حافة الفناء.
عودة الهوليجان رواية المنافي المتعددة
تتناول الرواية مساره في رومانيا خلال الحكم الدكتاتوري. هو مسار طفل أصبح شيخا، أو بالأحرى أصبح شبحا في موطنه الذي غادره نهائيا العام 1988 ليذهب في هذه الرحلة الدخيلة إلى قلب مانهاتن في نيويورك.
وصفته صحيفة السفير اللبنانية عديدون هم الذين كتبوا سيرة المنافي المتعددة التي عاشوها. تاريخ الأدب مليء بهذه الشهادات، التي إن دلّت على شيء، فإنما تدلّ على توحش هذه الروح أمام التاريخ. إلا ان ثمة أمرا مستغربا: أن يأتي القرن العشرون، الذي أراد أن يكون عصرا إنسانيا وديموقراطيا بامتياز، أكثر العصور دموية وفاشية ومأسوية من قبل أنظمة وطغاة شطّوا بعيدا في تجارب الغيتوات والمعاداة للسامية ومخيمات التعذيب والقتل الجماعي والصهيونية في أدلجتها للمصائر التعيسة والإمبريالية بتفرعاتها المتنوعة والشيوعية بصمتها المريع... بالتأكيد ستطول لائحة هذه الشرور التي سرقت الروح الإنسانية وأزهقتها لتجعل منها مواتا هائما.
اللغة بالنسبة إلى مانيا هي الملاذ الأخير وإن كان يعترف بمأزق الكلمات إذ كل عملية تفخيم لها كانت تتلاشى، تمّحي، تموت كي لا تترك مكانها إلا شذرات من ذكاء بدأ يجف شيئا فشيئا. بدون شك تجربة المنفى تجربة صعبة، يؤكدها مرة جديدة هذا الكاتب الروماني.

















0 تعليق