تطوير المضمون هو الأهم

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

هذا تعليق متأخر بعض الشىء على مقترح تغيير اسم فضائية الـ«نايل تى فى» والعدول عنه بعد ساعات معدودة. سأركز على فكرة أراها ضرورية ترتبط بأن المضمون الذى تقدمه أى وسيلة إعلامية هو أهم بكثير من الاسم الذى تحمله. لا أحد يتوقف عند اسم قناة أو طريقة كتابته أو نطقه، حتى وإن كان عظيمًا، وهى لا تقدم شيئًا مهمًا على الإطلاق. 

فى هذه الواقعة المتعلقة بقناة النيل الدولية، دعك من البيانات الرسمية ومما حدث فى اجتماعات مغلقة أو علنية، المؤكد لنا وللرأى العام كله أن حملات الناشطين والمؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعى، الذين شنوا حملات انتقادات لوقف تغيير اسم القناة الدولية بعد تشابه حروفها المختصرة مع اسم فضائية إثيوبية- هى التى حسمت الأمر. والمهم أيضًا هو رغبة المصريين فى الإبقاء على اسم «النيل» على الفضائيات والقنوات المحلية، وعدم تجاهل اسم نهر النيل الخالد، شريان الحياة الرئيسى للمصريين. 

لو أن هناك شفافية وتدفق معلومات لعلمنا بشكل يقينى أنه قد حدث تراجع مهم فى نسب المشاهدة لجميع القنوات التابعة للهيئة الوطنية للإعلام. أى القنوات التى تمثل التليفزيون المصرى، أو «ماسبيرو». كان لها الريادة والانتشار المحلى والعربى قبل سنوات، ثم تقلصت أوضاعها وتقزمت لأسباب عديدة. قطاع النيل، الذى تنتمى إليه قناة «نايل تى فى»، هو جزء من هذه الحالة، وربما تكون مشاهدات هذه القناة تحديدًا أقل بكثير من باقى قنوات القطاع، لأنها تستهدف جمهورًا محددًا وضيقًا، وهو الأجانب الناطقون بالإنجليزية فى مصر، أو الأجانب فى بلدانهم المهتمون بالأخبار والفعاليات المصرية. وبعيدًا عن بقاء الاسم أم تغييره، فإن القناة لا تقدم أى مضمون يجذب المتلقى المستهدف. سبقتها فى هذا المجال قنوات إقليمية عديدة، تعمل وفقًا لضوابط ومدخلات حديثة وعصرية.

والتراجع عن قرار، أو توصية، «الهيئة» ليس الأول فى عهد رئيسها أحمد المسلمانى. الكاتب الصحفى الزميل قد تولى رئاسة الهيئة الوطنية للإعلام فى ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ بقرار جمهورى، وخلال هذا العام أصدر العديد من القرارات المهمة بهدف تطوير الأداء فى القنوات والمحطات الإذاعية التى تتبعه. 

هى تركة إعلامية باتت قديمة ومترهلة بشكل عام. العاملون فيها غالبهم يعانون الإحباط، يستشعرون التهميش بالمقارنة بزملائهم الذين يعملون فى فضائيات وشركات إعلامية مصرية تتبع جهات أخرى. بعض المراقبين أكدوا أن هناك ستة قرارات سبق وأصدرها المسلمانى، ثم عاد وتراجع عنها، بسبب انتقادات المصريين على وسائل التواصل الاجتماعى، أشهرها النية بتغيير اسم قنوات قطاع النيل بأكمله. المسلمانى قد يكون مستهدفًا لسبب أو لآخر من الناشطين على وسائل التواصل، بعضهم من زملائه الصحفيين، ولا أعرف السبب وراء ذلك تحديدًا!.

أعتقد أن أزمة الإعلام الرسمى الصادر عن ماسبيرو معقدة للغاية، فهو، إضافة لأنه يعيش الحالة التقليدية المصرية، بخضوعه لسقف الحريات نفسه الذى يخضع له الجميع، هو إعلام يعمل بمخصصات مالية أقل؛ الرواتب محدودة، وهناك أزمات تتعلق بعدم وجود كوادر شابة مؤهلة لصنع التغيير وفقًا للمستجدات على الساحة الإعلامية. والمهم هنا أن الكل، قيادة ورأيًا عامًا، انشغل عن هذه القنوات وانصرف عنها، لكن من الصعوبة جدًا إغلاقها تمامًا. لا يستطيع أحد الإقدام على مثل هذا القرار. 

مر على الهيئة الوطنية للإعلام، قبل المسلمانى، قيادات فهموا الأوضاع جيدًا، وطبيعة المطلوب منهم، وهو تسيير الأمور فى هدوء. استسلموا للواقع ولم يقدموا شيئًا يُذكر للقنوات والمحطات التى يديرونها. تراجع الأداء، كما ساءت أوضاع العاملين، من كوادر فنية وإدارية، خلال هذه الفترة.

المسلمانى يريد العودة بالهيئة، لكن فى بيئة غير مواتية. لا يمتلك التمويل اللازم ولا الكوادر القادرة على صنع التغيير، لذلك يلجأ إلى علاقاته واسمه، كما يلجأ لصنع تغييرات شكلية، حتى لو كانت صادمة، ليلفت نظر الرأى العام إليه. تغييرات لا تكلف الكثير، لكن كما قلت فإن الأهم هو التركيز على المضمون وصنع فارق ولو محدود.. سيتفاعل الناس معه بصدق لو فعل ذلك. 

لقد تحسن أداء إذاعة القرآن الكريم كثيرًا خلال العام الأخير. أشهد بذلك أنا وغيرى. هناك محطات أخرى تطور أداؤها من خلال تحسين جودة ما تقدمه.. وإبعاد الدخلاء والكسالى وغير الموهوبين عنها.

أؤيد قيامه بمثل هذه الخطوات الصغيرة، والابتعاد عن القرارات المظهرية المتسرعة غير المدروسة. وعندما تستقر الأمور أكثر، ولو أرادت القيادة أن تعطى دورًا أكبر لقنوات ومحطات الهيئة الوطنية للإعلام، فليطلب ميزانيات أكبر ويشرع فى التحديث والتطوير بشكل شامل. ننصح، الآن، بالتركيز على تطوير وتحديث المضمون فى قناة أو اثنتين، والتعلم من الأخطاء السابقة.

المتلقى فى كل مكان، وليس فى مصر فقط، يرتبط بالوسيلة التى تنقل إليه الأخبار والمعلومات التى تهمه بسرعة، تقدم له مادة فنية وترفيهية جيدة. وسائل تتفاعل مع الأحداث، ولا تتعالى على الجمهور.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق