تشهد الساحة السياسية في فرنسا توترا متصاعدا بعد خطوة قضائية جديدة أعادت قضية تمويل حملات الرئيس إيمانويل ماكرون إلى الواجهة.
فقد أكدت مصادر قضائية أن المحققين نفذوا عمليات تفتيش جديدة داخل مقر شركة "ماكينزي" الأمريكية في باريس، ضمن مسار تحقيق يمتد منذ سنوات حول شبهات تمويل غير قانوني لحملتي ماكرون الرئاسيتين عامي 2017 و2022.
جرت عمليات التفتيش مطلع نوفمبر الجاري، بحسب ما كشفته وكالة "فرانس برس"، في حلقة جديدة من سلسلة الإجراءات التي تتعمق في دراسة "ظروف تدخل شركات الاستشارة" في الحملات السياسية بالبلاد. ويأتي هذا التطور ضمن تحقيق جنائي مفتوح منذ نوفمبر 2022، قادته النيابة المالية الوطنية التي تركز على احتمال تلقي الحملات الانتخابية دعما غير مشروع من "ماكينزي" أو شركات استشارية أخرى.
خطوات تحقيقية تتوسع وتشمل مواقع متعددة
لم تكن هذه المداهمة هي الأولى من نوعها في القضية المثيرة للجدل. فالمحققون سبق أن فتشوا مقر حزب "رينيسانس" الحاكم، إضافة إلى المقر الرئيسي لـ"ماكينزي" في باريس، وصولا إلى شقق أربعة من مدراء الشركة السابقين والحاليين.
هذا الاتساع في دائرة التفتيش يعكس – وفق مراقبين – رغبة قضائية في رسم صورة أوسع للعلاقات المحتملة بين الشركة والحملات الرئاسية.
ولا تزال التحقيقات تدرس طبيعة العقود، حجم الاستشارات المقدمة، وتوقيت التدخلات التي تزامنت مع الفترات الانتخابية الحساسة، وسط تساؤلات متزايدة داخل الأوساط السياسية حول حدود الدور المسموح به لشركات الاستشارات الأجنبية في انتخابات فرنسا.
ماكرون يعلّق: “علمت بذلك من الإعلام”
وفي أول رد له على التطورات الأخيرة، أكد الرئيس الفرنسي أنه علم بالتحقيقات عبر وسائل الإعلام، مضيفا أن "حسابات حملة 2017 خضعت لفحص دقيق من الجهات المختصة".
وشدد ماكرون على أنه لم يتلق أي تواصل مباشر من السلطات القضائية.
هذا التصريح فُهم على نطاق واسع كرسالة تهدف لطمأنة الرأي العام، في ظل الاهتمام المتجدد بالقضية.
تدقيق برلماني يضيء على دور الشركات الأجنبية
القضية الحالية ليست معزولة عن نقاش أوسع يشهده البرلمان الفرنسي بشأن النفوذ المتزايد لشركات الاستشارات الأجنبية في عملية صنع القرار الحكومي.
ففي مارس 2022، نشر مجلس الشيوخ تقريرا مثيرا كشف عن تنامٍ لافت في اعتماد الحكومات الفرنسية المتعاقبة على تلك الشركات، خصوصا في ملفات استراتيجية مثل حملة التلقيح ضد كوفيد-19.
وكان التقرير قد ركز بشكل خاص على "ماكينزي"، مشيرا إلى أنها لم تدفع ضرائب في فرنسا بين 2011 و2020، وهو ما أضاف بعدا ماليا جديدا للجدل، وفتح الباب أمام نقاش سياسي موسع حول شفافية تلك الشركات وطبيعة تعاقداتها مع الدولة.
قضية مرشحة للتصعيد في الساحة الفرنسية
مع تتابع الإجراءات القضائية، واتساع دائرة الأطراف المعنية، تبدو القضية مرشحة لمزيد من التداعيات السياسية والإعلامية.
فالتفتيش الجديد قد يعيد طرح أسئلة قديمة حول حدود تأثير الشركات متعددة الجنسية على المؤسسات الديمقراطية، وما إذا كانت فرنسا تتجه نحو إعادة صياغة قواعد إدارة الحملات وتمويلها، في ظل ضغوط رقابية آخذة في الاتساع.










0 تعليق