أكد عدد من الخبراء القانونيين، أن إقرار الرئيس عبدالفتاح السيسى قانون الإجراءات الجنائية الجديد يمثل خطوة تاريخية فى مسار العدالة المصرية، وركيزة أساسية لترسيخ دولة القانون وضمان العدالة الناجزة، من خلال تعزيز حماية الحقوق والحريات وتطوير منظومة التقاضى بما يواكب رؤية الجمهورية الجديدة.
وأضاف الخبراء، لـ«الدستور»، أن القانون يؤسس لمنظومة عدلية أكثر إنصافًا وإنسانية، ترتكز على الحد من الحبس الاحتياطى كإجراء استثنائى، وتعزيز بدائل قانونية أكثر مرونة، إلى جانب إدخال التقاضى الإلكترونى وربط مؤسسات العدالة رقميًا، بما يسرّع إجراءات التقاضى ويعزز الشفافية والمساءلة.
حسين المقداد: يجعل الحبس الاحتياطى إجراءً استثنائيًا
قال الدكتور حسين المقداد، أستاذ ورئيس قسم القانون الدستورى بكلية الحقوق، جامعة حلوان، إن اعتراض الرئيس عبدالفتاح السيسى على مشروع قانون الإجراءات الجنائية واستجابة مجلس النواب لملاحظاته، يعكس أسمى صور التكامل الدستورى بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، بما يوازن بين حماية النظام العام وضمان الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين.
وأوضح «المقداد» أن القانون، بعد التصديق عليه، يمثل نقلة نوعية فى منظومة العدالة الجنائية فى مصر، ويحقق العديد من الاعتبارات الدستورية المهمة، أبرزها: حماية الكرامة الإنسانية ومنع التعسف، إذ نص القانون صراحة على احترام حقوق الإنسان فى جميع مراحل الدعوى الجنائية، وجرّم أى معاملة مهينة أو استخدام مفرط للقوة أثناء القبض أو الاحتجاز، كما ألزم جهات التحقيق بتسجيل الاستجوابات بالصوت والصورة لضمان الشفافية.
أيضًا تعزيز ضمانات حقوق الدفاع، فقد كفل القانون للمتهم الحق الكامل فى الدفاع عن نفسه بالاستعانة بمحامٍ فى جميع مراحل التحقيق والمحاكمة، وأتاح الاطلاع الفورى على أوراق القضية والحصول على نسخ إلكترونية، كما منح المتهم الحق فى الطعن على أى إجراء يمس حريته أو خصوصيته، بما يعزز صون الكرامة الإنسانية. وفى القانون جرى تقليل الاعتماد على الحبس الاحتياطى، ونظمه كإجراء استثنائى لا يُلجأ إليه إلا عند الضرورة القصوى، وحدد ضوابط صارمة لتمديده بقرار قضائى مسبب، كما وسع بدائل الحبس مثل المنع من السفر والمراقبة الإلكترونية والإقامة الجبرية، وألزم جهات التحقيق بعرض المتهم على القاضى خلال مدد محددة، لضمان الرقابة القضائية ومنع التعسف. ويؤدى إلى تسريع التقاضى والحد من التكدس فى أماكن الاحتجاز، كما حدد القانون مددًا قصوى للفصل فى القضايا، وألزم المحاكم بعقد جلسات متتابعة دون تأجيلات طويلة، مع تبسيط إجراءات الطعن والاستئناف، ما يقلل الزحام فى أماكن الاحتجاز ويعزز إعادة التأهيل والدمج الاجتماعى.
كما يؤدى إلى التحول نحو العدالة الرقمية، إذ أدخل القانون التقاضى الإلكترونى وربط المحاكم والنيابة وهيئة الشرطة إلكترونيًا، واعتمد التوقيع الإلكترونى وتوثيق الإجراءات رقميًا، مع إمكانية عقد الجلسات عبر الوسائل التقنية، ما يقلل من الانتظار ويوفر الوقت والجهد.
مصطفى سعداوى: يواكب تطور المجتمع والتكنولوجيا مع الحفاظ على جوهر العدالة
وصف الدكتور مصطفى سعداوى، أستاذ القانون الجنائى، إصدار الرئيس عبدالفتاح السيسى قانون الإجراءات الجنائية الجديد بأنه محطة فارقة فى مسار تحديث التشريعات الجنائية المصرية، مشيرًا إلى أن القانون صدر بعد مراجعة دقيقة من جانب رئيس الجمهورية، الذى سبق أن اعترض على بعض مواده، حرصًا على تعزيز الضمانات الجوهرية لحقوق المتقاضين وضمان تكامل المنظومة العدلية.
وأوضح «سعداوى» أن من أبرز المواد التى توقف عندها الرئيس نص المادة «٤١١»، الخاصة باستئناف أحكام الجنايات، والتى كانت تنص على ندب محامٍ للدفاع عن المتهم الغائب واعتبار الحكم حضوريًا، مشيرًا إلى أن الرئيس أعاد المادة إلى مجلس النواب لتعديلها بما يلزم المحكمة المستأنفة بإعادة إعلان المتهم ودفاعه، وحتى يتمكن من الحضور وإبداء دفاعه أمام محكمة الجنايات فى درجتها الثانية.
وأضاف أن هذا التعديل- الذى قد يمر دون انتباه غير المتخصصين- يمثل نقلة نوعية فى جدية المحاكمة الجنائية، ويؤكد أن العدالة لا تكتمل إلا بتمكين المتهم من ممارسة حق الدفاع أمام محكمتين، تحقيقًا لضمانات التقاضى على درجتين.
وأشار «سعداوى» إلى أن القانون الجديد أرسى وجوب حضور محامٍ مع المتهم فى جميع مراحل الدعوى، سواء أمام محكمة أول درجة أو أمام محكمة الاستئناف، بل ومدّ هذا الحق إلى مرحلة التحقيق أمام النيابة العامة، مع إلزامها بمخاطبة نقابة المحامين لندب محام فى حال عدم وجود دفاع حاضر، إلا فى الحالات الاستثنائية التى يتعرض فيها المتهم لخطر يهدد حياته.
وأكد أستاذ القانون الجنائى أن من أهم الضمانات التى تضمنها القانون أيضًا حماية حرمة المسكن، حيث أعاد المشرّع صياغة النص بما يضبط مصطلح «حالة الضرورة» الذى كان فضفاضًا، محددًا الحالات التى يجوز فيها دخول المساكن على سبيل الاستثناء فى ظروف محددة مثل وجود حريق أو استغاثة من داخل المنزل.
وأضاف أن القانون الجديد يمثل استجابة عملية لتطورات الحياة وتقدم الوسائل التقنية، حيث أقر الإعلان الإلكترونى كوسيلة لإخطار المتهمين بالدعوى، مع الإبقاء على الوسائل التقليدية فى حال تعذر استخدام التقنية، تحقيقًا للضمان القانونى وسرعة الفصل فى القضايا.
واختتم «سعداوى» تصريحه قائلًا: إن صدور القانون بهذا الشكل، وبعد تفاعل مؤسسى بين رئاسة الجمهورية ومجلس النواب والجهات القضائية، يجسد رؤية الدولة المصرية الحديثة فى بناء عدالة جنائية أكثر إنصافًا وإنسانية، ويعكس وعى المشرّع بأهمية تطوير أدوات التقاضى بما يواكب تطور المجتمع والتكنولوجيا مع الحفاظ على جوهر العدالة.
فهد مرزوق: يضمن سرعة الفصل فى القضايا
قال فهد مرزوق، المحامى بالنقض، إن صدور القانون الجديد يعد خطوة جوهرية نحو تحقيق التوازن بين حق المجتمع فى ملاحقة الجناة وحق الأفراد فى الحرية وصون الكرامة الإنسانية، مؤكدًا أنه أعاد صياغة فلسفة العدالة الجنائية على أسس أكثر إنصافًا ومرونة.
وأشار «مرزوق» إلى أن القانون وضع ضوابط صارمة على الحبس الاحتياطى باعتباره إجراءً استثنائيًا، مع بدائل قانونية تكفل حضور المتهم دون المساس بحريته، مثل الإفراج بكفالة أو المراقبة الإلكترونية أو تحديد الإقامة، كما عزز دور القضاء فى الرقابة على قرارات الحبس والتجديد، وألزم النيابة بعرض القضايا كل ثلاثة أشهر على النائب العام، فى نقلة نوعية تضمن المحاكمة المنصفة وسرعة الفصل فى القضايا. وأضاف أن القانون الجديد سيحد من الإفراط فى استخدام الحبس الاحتياطى، ويقصر تطبيقه على الجرائم الجسيمة، على غرار التشريعات الأوروبية التى توازن بين الردع وحماية الحقوق، معتبرًا أن القانون يمثل انتصارًا حقيقيًا للكرامة الإنسانية ومبادئ العدالة.
نجوى الأباصيرى: يخفف أعداد المحتجزين ويقلل العبء عن الدولة
قالت الدكتورة نجوى الأباصيرى، المحامية، نائب رئيس حزب الاتحاد، إن القانون الجديد للإجراءات الجنائية يمثل نقلة نوعية فى منظومة العدالة بمصر، وأضافت أن الحبس الاحتياطى أصبح الآن إجراءً استثنائيًا يستخدم عند الضرورة القصوى، وليس وسيلة تلقائية أو بديلة عن العقوبة. وأكدت أن استبدال الحبس الاحتياطى بتدابير احترازية يمثل تصحيحًا لوضع سابق كان يتم فيه استخدام الحبس الاحتياطى كعقوبة مقنّعة، رغم أنه إجراء مؤقت يهدف لضمان سير العدالة، وأن القانون الجديد يهدف إلى تعزيز مبدأ البراءة، وتقليل الاعتماد على الحبس الاحتياطى بما يخفف من أعداد المحتجزين ويحسن الأوضاع الإنسانية ويقلل العبء الأمنى والإدارى على الدولة.
وأضافت أن القانون يسعى لتحقيق عدالة ناجزة عبر تبسيط الإجراءات واستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة، مثل عقد الجلسات عن بُعد وتبادل المستندات إلكترونيًا، بما يقلل الوقت والتكدس فى القضايا، كما أدخل القانون تعديلات على نظام الإعلانات والإخطارات القضائية، وفق المادة «٢٣١»، بتنظيم طرق الإعلان الإلكترونية بجانب الطرق التقليدية، ما يحد من التأجيل الإدارى ويعزز سرعة الفصل فى القضايا.












0 تعليق