صدر مؤخرًا عن المركز القومي للترجمة كتاب "التاريخ الإجرامي للجنس البشري.. سيكولوجية العنف" لمؤلفة الكاتب كولن ولسون، ومن ترجمة المترجم رفعت السيد علي.
يقدم كول ولسون وجه آخر للتاريخ الإنساني، وجه الصراع القائم بين الضحية والجلاد، وجه السلطة القائمة على العنف والتي لا تتوقف في تقديم أساليب واأدوات جديدة لتاريخ مبني على الدم.
يبدأ ولسون رحلته في "التاريخ الإجرامي للجنس البشري – سيكولوجية العنف البشري"، في محاولة لفهم الجذر العميق للشر داخل الكائن الذي يصفه بأنه "الوحيد الذي يملك القدرة على التأمل في خطيئته".
الإنسان كائن عنيف بطبعه
يقرر ولسون منذ الصفحات الأولى، أن العنف ليس عرضًا في التاريخ البشري، بل هو أحد محركاته الكبرى، فالعصور لا تتغير فقط بما تنتجه من أفكار، بل بما تسفكه من دماء، الحرب، في رأيه، ليست حادثًا طارئًا، بل نمطًا من أنماط الوعي الجماعي.
فتاريخ البشر المسجل من عام 3500 ق.م يحتوى على قدر متواصل من القتل وإراق الدماء.
وفي العصر الحديث بدءًا من حشية النازية وصولًا الى ماسأة هيروشيما فإن إراقة الدماء لم تتوقف.
يرى ولسون أن أسوأ أنواع الجرائم لا يرتكبها الحمقى والأغبياء، بل يرتكبها المتحضرون الأذكيا باتخاذهم قرارات يوفرون لها الدوافع الكافية.
وهذا ما حدث في مأساة هيروشيما، فلم يكن على سبيل المثال "دافع القتل الجماعي الذي ارتكبه هتلر تلك القيود المفروضة على الإنسان الطبيعي اللازمة لاستمر المجتمع ككل، والتي قد تدفع الفرد إلى التمرد، على العكس من ذلك كان الدافع نتاج نوع مشوه من الأفكار المثالية دفعته إلى محاولة خلق "عالم أفضل: وهو الدافع نفسه الذي أدي تدمير "هيروشيما"، " نجازاكي" بالقنابل النووية، وهو نفسه الدافع الكامن خلف تدبير التفجيرات الإرهابية وإطلاق النار العشوائي على جموع البشر، والذي أصبح ظاهرة متواصلة منذ عام 1960.
يرى ولسون أن الجريمة تتجدد مع كل جيل لأن البشر ليسوا إلا أطفالًا، قلة قليلة من البشر هي التي تنج وهي القلة الناضجة.
يذهب ولسون الى أن عتاة المجرمين مثل فالد المخوزث، وجاك السفاح، وآل كابوني، وكذا "نيفيل هيث"، و" هيج " السفاح الذي كان يذيب أجساد ضحاياه، "هارفي جلاتمان "، لم يتركوا آثرًا يعتد به، ف "أنجازاتهم " كانت سلبية وماتت بموتهم.
يذهب ولسون إلى التأكيد على أن الحقيقة الثابتة، هي أن التاريخ البشري كان بشكل رئيسي تاريخًا من الإجرام، إلا أنه كان مليئًا أيضًا بالإبداع".
سيكولوجية الجريمة: من الفرد إلى الجماعة
ينتقل ولسون بعد ذلك إلى ما يسميه بـ"الوعي الإجرامي" في الفرد، محللًا كيف تتكوّن لدى بعض الأشخاص نزعة العنف بوصفها محاولة مشوّهة لاستعادة الشعور بالقوة أو السيطرة.
ويعرض نماذج من القتلة المتسلسلين، والطغاة، والمهووسين بالدم، الذين حولوا الألم إلى لذة، والموت إلى فنّ، لكنه لا يتعامل معهم كحالات مرضية فقط، بل كرموز لفشل الإنسانية في خلق توازن بين العقل والغريزة.
ويشير ولسون إلى أن أنواع الجريمة تختلف أيضًا عبر الزمن ومن قرن إلى قرن بل من عقد إلى عقد، ففي إنجلتررا وأمريكا كان نمط الجريمة ودافعها يدوران في أربعينيات وخمسينيات من القرن العشرين حول المال والجنس.
ويقول: "ليس القاتل المجنون وحده هو من يستمتع بالدم، فالعالم نفسه كان مسرحًا لجنون أوسع، حين رفعت الأيدي الملطخة الرايات وسمّت القتل بطولة".
بهذا المعنى، يرى ولسون أن الفرق بين جريمة الفرد وجريمة الدولة ليس في الطبيعة، بل في المقياس؛ فالاثنتان تصدران عن الأصل ذاته: الإحساس بالعجز المقنّع في صورة قوة.
ويُرجع الكاتب تطور العنف إلى سلسلة من التحولات النفسية والبيولوجية، حيث كان الإنسان البدائي يعيش العنف بوصفه ضرورة للبقاء، ثم تحوّل مع نشوء الحضارات إلى عنف رمزي ومؤسسي، أكثر نظامًا وأقل بدائية، لكنه في جوهره لم يتغير.
فمنذ محاكم التفتيش إلى حروب الاستعمار، ومن المقصلة إلى القنبلة الذرية، ظل الإنسان يبتكر أدوات جديدة لممارسة العنف ذاته، ولكن بأسماء أكثر أناقة.
















0 تعليق