ميلاد الأديب الروسي إيفان تورغينيف.. رائد الواقعية وأحد عظماء الأدب العالمي

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في مثل هذا اليوم، ولد أحد أبرز الأدباء الروس وأكثرهم تأثيرًا في تطور الأدب العالمي، إنه إيفان سيرغييفيتش تورغينيف، رائد المدرسة الواقعية وأحد الأركان الأساسية للأدب الروسي في القرن التاسع عشر ولد تورغينيف في 9 نوفمبر عام 1818 بمدينة أوريوف الواقعة في روسيا، في أسرة أرستقراطية ميسورة، أتاحت له فرصة التعليم الجيد والاطلاع الواسع على الثقافات الأوروبية، وهو ما ترك أثرًا عميقًا في فكره وأسلوبه الأدبي لاحقًا.

منذ طفولته، أبدى تورغينيف ميولًا واضحة نحو الأدب والفكر، وتأثر بشدة بقراءاته للفلاسفة والأدباء الأوروبيين، مثل غوته وروسو وشكسبير، درس في جامعة موسكو ثم في جامعة سانت بطرسبرغ، قبل أن يسافر إلى ألمانيا لمتابعة دراسته في جامعة برلين، حيث انفتح على الفكر الأوروبي الحديث، خصوصًا التيارات الإنسانية والليبرالية التي كانت تنادي بالإصلاح الاجتماعي والعدالة.

 

عاد تورغينيف إلى روسيا في فترة شهدت تحولات سياسية واجتماعية كبيرة، حيث كان النظام الإقطاعي ما يزال قائمًا، والفلاحون يعيشون تحت وطأة العبودية. من هنا وُلدت رؤيته الواقعية التي جعلته يصور حياة المجتمع الروسي بكل طبقاته، كاشفًا التناقضات العميقة بين النبلاء والفلاحين، بين التقاليد الجامدة وروح التغيير.

 

برز اسمه بقوة مع صدور مجموعته القصصية الشهيرة «مذكرات صَيّاد» (A Sportsman’s Sketches) عام 1852، التي كانت نقطة تحول في الأدب الروسي، إذ لم تكن مجرد قصص عن الريف، بل شهادة أدبية مؤثرة ضد العبودية، ساهمت في تمهيد الطريق لإلغائها رسميًا بعد أعوام قليلة، ومن خلال أسلوبه البسيط والعميق في آن واحد، استطاع أن يمنح صوتًا للفلاح الروسي المسكوت عنه، مقدمًا مشاهد نابضة بالحياة والمشاعر الإنسانية.

 

واصل تورغينيف مسيرته الأدبية بروايات أصبحت علامات في تاريخ الأدب، من بينها «الآباء والبنون»، التي أثارت جدلًا واسعًا لما طرحته من صراع بين جيلين: جيل الليبراليين القدامى وجيل الشباب المتطرفين من “العدميين” الذين رفضوا كل سلطة أو تقليد، كما كتب روايات أخرى لاقت صدى عالميًا، مثل «عش النبلاء» و«في عشيّة» و«الدخان»، وكلها تعكس وعيه الإنساني وقدرته الفريدة على سبر أغوار النفس البشرية.

 

لم يكن تورغينيف ثائرًا سياسيًا، لكنه كان صاحب قلم صادق يرى أن الأدب يجب أن يعكس الحقيقة الاجتماعية، وأن يثير التساؤلات بدلًا من تقديم الإجابات الجاهزة، وقد تميز أسلوبه بالهدوء والعذوبة والعمق النفسي، ما جعله حلقة وصل بين الواقعية الروسية والرومانسية الأوروبية، وجعل أعماله تحظى بتقدير كبار الأدباء مثل تولستوي ودوستويفسكي وفلوبير.

 

قضى تورغينيف جزءًا كبيرًا من حياته في فرنسا، حيث ربطته صداقة وثيقة بالروائية جورج صاند وبالكاتب الفرنسي غوستاف فلوبير، وتأثر بالثقافة الغربية دون أن يتخلى عن جذوره الروسية، توفي في 3 سبتمبر 1883 في مدينة بوجيفال قرب باريس، تاركًا إرثًا أدبيًا خالدًا جعل اسمه رمزًا للنزاهة الفنية والواقعية الصادقة.

 

لقد وُلد إيفان تورغينيف ليكون صوت العقل والضمير في زمن مضطرب، وليقدم من خلال أدبه نموذجًا للكاتب الذي يجعل من الكلمة مرآة للمجتمع ونافذة على الإنسان في أعمق معانيه.

أخبار ذات صلة

0 تعليق