في مثل هذا اليوم، الرابع من نوفمبر عام 1922، دوّى في وادي الملوك صدى واحد من أعظم الاكتشافات في تاريخ علم الآثار، حين تمكن عالم المصريات البريطاني هوارد كارتر من الكشف عن مقبرة الفرعون الذهبي توت عنخ آمون، ذلك الملك الصغير الذي حكم مصر نحو تسع سنوات فقط، لكنه خلد اسمه إلى الأبد.
ووفقًا للموقع الرسمي لوزارة السياحة والآثار؛ تُعد مقبرة الملك توت عنخ آمون (حوالي 1336-1327 ق.م) من الأسرة الثامنة عشرة ذات شهرة عالمية لأنها المقبرة الملكية الوحيدة في وادي الملوك التي تم اكتشاف محتوياتها سليمة وكاملة نسبيًا، وقد احتل اكتشافها العناوين الرئيسية في صحف العالم أجمع، حين ظهرت التحف الذهبية والقطع الفاخرة التي اكتُشفت داخلها، لتصبح أيقونة لمصر وأحد أهم الاكتشافات الأثرية في التاريخ الحديث.
مقبرة متواضعة بثروة لا تُقدر بثمن
على الرغم من ثرواتها الهائلة، فإن مقبرة توت عنخ آمون رقم 62 (KV62) متواضعة للغاية من حيث الحجم والتصميم مقارنة بمقابر الملوك الآخرين، ويرجع ذلك إلى أن الملك تولى العرش في عمر صغير، ولم يحكم سوى تسع سنوات، فقط جدران حجرة الدفن تحمل مناظر محدودة، بخلاف معظم المقابر الملكية السابقة واللاحقة التي زخرفت بالنصوص الجنائزية مثل "كتاب إمي دوات" أو "كتاب البوابات".
وقد أثار الحجم الصغير للمقبرة تكهنات كثيرة، فربما كانت مخصصة في الأصل لشخص آخر قبل أن تُهيأ سريعًا لدفن الملك الشاب بعد وفاته المفاجئة، ومع ذلك، فقد ضمت المقبرة نحو 5000 قطعة أثرية مكدسة بإحكام، تعكس نمط الحياة في القصر الملكي، وتشمل الملابس والمجوهرات والأثاث والأسلحة والعطور والألعاب والمركبات.
ومن المفارقات أن الملك الذي مُحي اسمه من التاريخ القديم لارتباطه بالملك إخناتون، صار اليوم أشهر ملوك مصر على الإطلاق، لتحاكي شهرته ملوك عظام مثل رمسيس الثاني وتحتمس الثالث.
من وادي الملوك خرجت الحكاية
كان وادي الملوك على الضفة الغربية من النيل في طيبة (الأقصر حاليًا) مقبرة لملوك الدولة الحديثة بين عامي 1539 و1075 ق.م، وتبلغ مساحته نحو 20 ألف متر مربع ويضم حتى اليوم 27 مقبرة ملكية من الأسر الثامنة عشرة والتاسعة عشرة والعشرين، فيما يُعتقد أن الوادي ما زال يخفي أكثر من 30 مقبرة لم تُكتشف بعد.
وكان بناء قبر الفرعون يبدأ عادة فور تنصيبه، وقد يستغرق سنوات طويلة، وبسبب تداخل المقابر فوق بعضها بمرور الزمن، ظل كثير من الكنوز مدفونًا دون أن تُمس، وهو ما حدث مع مقبرة توت عنخ آمون.
لحظة النور بعد 3000 عام
في 4 نوفمبر 1922، وأثناء قيام هوارد كارتر بالتنقيب عند مدخل النفق المؤدي إلى قبر رمسيس السادس، لاحظ وجود قبو كبير، وواصل الحفر حتى وصل إلى مدخل الغرفة التي تضم ضريح توت عنخ آمون، وكانت جدرانها تزدان برسوم تحكي رحلته إلى العالم الآخر، وعندما سأله مساعده عما يرى من خلال الفتحة الصغيرة، أجاب كارتر بكلمته الشهيرة: "نعم، أرى أشياء رائعة."
وفي 16 فبراير 1923، أصبح كارتر أول إنسان منذ أكثر من 3000 عام تطأ قدماه أرض حجرة الدفن. وهناك، اكتشف سلسلة من التوابيت الذهبية داخل صناديق مزخرفة، حتى وصل إلى المومياء الملكية المزينة بالذهب والأحجار الكريمة، ورغم الصعوبات التي واجهها في استخراج المومياء، فقد تمكن في النهاية من نقل محتويات المقبرة إلى المتحف المصري بالقاهرة، بعد عمل استمر قرابة عقد كامل.
وتشير الدراسات إلى أن مدخل المقبرة KV62 ظل مختفيًا لقرون تحت أنقاض مقبرة رمسيس السادس (KV9) التي شُيدت لاحقًا، مما حفظ المقبرة من السرقة والتلف، ويُرجح أن المقبرة تعرضت لمحاولتي سرقة في العصور القديمة، لكنها أُغلقت وخُتمت مجددًا سريعًا، فبقيت ثرواتها شبه كاملة حتى اكتشافها في القرن العشرين.












0 تعليق