ويل روجرز.. الكوميديان الذي جعل أمريكا تضحك رغم أزماتها

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في الرابع من نوفمبر عام 1879، ولد ويل روجرز في مزرعة صغيرة بولاية أوكلاهوما الأمريكية، ليصبح فيما بعد أحد أشهر الكوميديين والفلاسفة الشعبيين في تاريخ الولايات المتحدة، لم يكن مجرد فنان يسعى للإضحاك، بل كان صوتًا للحكمة البسيطة وسط الأزمات، ولسانًا صادقًا يعبر عن الناس العاديين في زمن كانت فيه أمريكا تتأرجح بين الطموح والكساد.

ينتمي روجرز إلى أصول من قبيلة "شيروكي" الهندية، وقد شكلت هذه الجذور شخصيته وأسلوبه الساخر القريب من الناس، حيث استخدم ذكاءه الفطري وروحه المرحة ليصنع كوميديا تقوم على الملاحظة الدقيقة للحياة اليومية والسياسة والمجتمع، لم يكن يعتمد على النكات السطحية، بل على فلسفة ساخرة تنقد الواقع برقة وتكشف مفارقاته دون تجريح أو عداء.

بدأت مسيرته الفنية من عروض الروديو، حيث كان يقدم فقرات ترفيهية تعتمد على المهارة في رمي الحبال مصحوبة بالتعليقات الفكاهية، فلفت الأنظار بسرعة ليشق طريقه إلى مسارح برودواي، وهناك تحول من عارض مدهش إلى مؤدي فكاهي مؤثر، يجذب الجماهير بكلماته قبل حركاته.

مع ظهور السينما الناطقة، وجد روجرز في الشاشة الكبيرة وسيلة جديدة ليصل إلى قلوب الملايين، شارك في أكثر من سبعين فيلمًا، من بينها “A Connecticut Yankee” و“The State Fair”، وأصبح من أعلى نجوم هوليوود أجرًا في الثلاثينيات، لكن رغم شهرته الواسعة، ظل بسيطًا، يرفض الترف المبالغ فيه ويعيش كما عاش دومًا.. قريبا من الناس.

لم تقتصر موهبته على التمثيل، فقد كان أيضًا كاتبًا وصحفيًا بارعًا، كتب عمودًا ثابتًا في الصحف اليومية حمل عنوان “Will Rogers Says”، يقرأ في كل أرجاء أمريكا، من خلاله عبر عن رؤيته للحياة والسياسة والاقتصاد، بأسلوب يجمع بين الذكاء الشعبي والبساطة الساخرة، وعندما ضرب الكساد الكبير البلاد، كان روجرز هو البلسم الذي خفف عن الناس مرارة الفقر واليأس، إذ قال عبارته الشهيرة: “كلنا أغبياء في بعض الأمور، لكن المهم أن نعرف في أي الأمور نحن أغبياء.”

امتاز بأسلوب نقدي راقي، يهاجم به الفساد والبيروقراطية دون أن يثير الكراهية، كان يؤمن أن الضحك وسيلة للإصلاح، وأن الكوميديا الصادقة يمكن أن تكون أداة سياسية وإنسانية في آن واحد، وبفضل هذا النهج، اكتسب احترام الرؤساء والساسة والجماهير معًا، حتى أن الرئيس فرانكلين روزفلت وصفه بأنه “ضمير أمريكا المبتسم”.

في عام 1935، انتهت رحلة ويل روجرز المليئة بالحياة عندما تحطمت الطائرة التي كان يستقلها مع الطيار الشهير وولي بوست في ألاسكا، رحل وهو في قمة مجده، لكنه ترك إرثًا لا يُنسى من الفكاهة والحكمة.

ظل روجرز رمزًا للأمل في الأوقات الصعبة، وصوتًا للعقل الشعبي في عالم يزداد تعقيدًا، لقد جعل أمريكا تضحك، لكنها في الوقت نفسه كانت تزداد وعيًا بما يجري حولها، بفضل فنان آمن أن الكلمة الصادقة يمكن أن تضحك وتصلح في آن واحد.

وهكذا خلد اسم ويل روجرز ككوميديان وفيلسوف شعبي استطاع أن يمنح أمته الضحك حين كانت في أمس الحاجة إليه.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق