في الثاني من نوفمبر عام 1976، شهدت الولايات المتحدة واحدة من أكثر الانتخابات الرئاسية إثارة في تاريخها الحديث، حين تمكن المرشح الديمقراطي جيمي كارتر من تحقيق فوز تاريخي على الرئيس الجمهوري القائم جيرالد فورد، منهيًا بذلك فترة قصيرة من الاضطرابات السياسية التي أعقبت فضيحة "ووترغيت" واستقالة الرئيس ريتشارد نيكسون.

جيمي كارتر، الذي كان حينها حاكم ولاية جورجيا، خاض حملته الانتخابية بشعار بسيط ومعبر: "سأعيد الثقة إلى البيت الأبيض"، وقد استطاع أن يجذب الناخبين الأمريكيين بشخصيته الهادئة وصورته كرجل نزيه بعيد عن دهاليز السياسة التقليدية، وهو ما مثل نقيضًا تامًا لصورة واشنطن في تلك الفترة التي كانت مليئة بالشكوك والفضائح.

أما جيرالد فورد، فكان قد تولى الرئاسة دون انتخاب بعد استقالة نيكسون عام 1974، وواجه صعوبة كبيرة في استعادة ثقة الشعب بعد قراره المثير للجدل بالعفو عن نيكسون، نظرا لأن هذا القرار أضعف شعبيته بشدة، رغم محاولاته الجادة لإصلاح الاقتصاد الأمريكي المتدهور آنذاك، والتعامل مع أزمة التضخم والبطالة.

كارتر ظهر بمظهر السياسي الصادق الذي يتحدث بوضوح عن قضايا المواطن العادي
تميزت الحملة الانتخابية لعام 1976 بالمنافسة القوية والمناظرات الحاسمة بين المرشحين، حيث ظهر كارتر بمظهر السياسي الصادق الذي يتحدث بوضوح عن قضايا المواطن العادي، في حين بدا فورد أكثر حذرًا وارتباكًا في بعض اللحظات المفصلية، خصوصًا عندما ارتكب خطأ خلال إحدى المناظرات حين أنكر وجود سيطرة سوفيتية على أوروبا الشرقية، ما أثار استياء الناخبين وشكوكهم في قدرته على إدارة السياسة الخارجية.

أسفرت النتائج النهائية عن فوز جيمي كارتر بـ 297 صوتًا انتخابيًا مقابل 240 صوتًا لفورد، فيما بلغت نسبة التصويت الشعبي نحو 50.1% لكارتر مقابل 48% لمنافسه، كان ذلك الفوز بمثابة عودة للحزب الديمقراطي إلى البيت الأبيض بعد ثماني سنوات من حكم الجمهوريين، ورسالة قوية تعكس رغبة الأمريكيين في التغيير واستعادة القيم الأخلاقية في القيادة.

بدأ كارتر ولايته في يناير 1977 وسط آمال كبيرة، متعهدًا بإصلاح النظام الحكومي، والدفاع عن حقوق الإنسان، وتعزيز السلام العالمي، وعلى الرغم من التحديات التي واجهها لاحقًا، فإن انتخابه يبقى حدثًا تاريخيًا مهمًا أعاد الثقة إلى الديمقراطية الأمريكية بعد واحدة من أحلك فتراتها السياسية.

كانت علاقة جيمي كارتر بالرئيس الراحل محمد أنور السادات من أبرز العلاقات السياسية التي غيرت مسار الشرق الأوسط في النصف الثاني من القرن العشرين، فقد جمعت بين الرجلين علاقة احترام وتفاهم متبادل، إذ رأى كارتر في السادات قائدًا شجاعًا يسعى بصدق إلى إحلال السلام، بينما وجد السادات في كارتر شريكًا نزيهًا يمكن الوثوق به لتحقيق رؤية السلام العادل بين العرب وإسرائيل.

بلغت هذه العلاقة ذروتها عام 1978 عندما لعب كارتر دور الوسيط الأساسي في مفاوضات كامب ديفيد، التي استمرت ثلاثة عشر يومًا متواصلة داخل منتجع الرئاسة الأمريكية بولاية ماريلاند، وانتهت بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد التاريخية بين مصر وإسرائيل.

توطدت الصداقة بين الزعيمين بعد الاتفاق، إذ كان كارتر يصف السادات دائمًا بأنه رجل سلام استثنائي، واعتبر شجاعته السياسية نموذجًا يحتذى به في العالم، كما ظلت ذكريات تلك المرحلة حاضرة في حياة كارتر، الذي كتب لاحقًا أن أكثر لحظات فخره في الرئاسة كانت حين رأى السادات وبيغن يتصافحان بعد عقود من العداء.


















0 تعليق