«عرابى» فى حماية سيدات البيت العلوى

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يعد الملف المتعلق بعلاقة زعيم الفلاحين أحمد عرابى بسيدات البيت العلوى الحاكم فى عصر كل من الخديو إسماعيل ونجله الخديو توفيق من الملفات المجهولة لدى لكثيرين، رغم الدور الذى لعبته بعض الأميرات العلويات فى دعمه، حتى حين ثار على «عديلُه» الخديو توفيق، وقرر خلعه من الحكم، وإسقاط النظام الخديوى الوراثى، وإقامة دولة مصرية جمهورية.

و«عرابى»، كما تعلم، فلاح مصرى ينتمى إلى قرية «هرية رزنة» بمديرية الشرقية، وأبوه كان فلاحًا ترك لأولاده- «١٠ أولاد»- بعد وفاته ٧٤ فدانًا، وكان عالمًا أزهريًا مكث ٢٠ عامًا فى الأزهر. 

يشير أحمد عرابى فى مذكراته إلى أن أنه التحق بالحياة العسكرية برتبة نفر، ثم رقى إلى «باشجاويش»، ومنها إلى رتبة «ملازم ثانٍ»، ويحكى فى مذكراته أن الخديو سعيد رفض ترقيته إلى رتبة «ميرالاى» بشكل مباشر من رتبة ملازم ثانٍ، وأمر بأن يتدرج فى كل رتبة حتى يستوعب مهامها، فوصل فى عهده إلى رتبة يوزباشى، ثم إلى رتبة صاغقول، ثم إلى رتبة بكباشى، ثم إلى رتبة قائمقام، وظل على الرتبة الأخيرة طيلة فترة حكم الخديو إسماعيل، الذى اعتلى سدة الخديوية بعد وفاة عمه سعيد باشا بن محمد على. 

ويبدو أن زعيم الفلاحين كان يحب «الوسايط» ولا يجد غضاضة فى استخدامها لنيل ما يراه حقًا له، ومن هنا كان تحركه- كما يحكى فى مذكراته- على صاحب الدولة «حسين كامل باشا» عم الخديو إسماعيل ليتوسط له لدى الحضرة الخديوية فى الترقية إلى رتبة «ميرالاى»، لكن شفاعة الباشا لم تقبل. بل والأدهى من ذلك أن قرارًا صدر من الخديو إسماعيل بفصله من الخدمة، وهو على رتبة «قائمقام». 

حكى «عرابى» سياقاته تفصيلًا، وذكر أن قرار فصله من الخدمة ارتبط باحتجاجه على أوضاع عدها ظالمة، من بينها عدم العدالة فى تنفيذ قرار الخديو إسماعيل بنفح كبار ضباط الجيش مساحات مختلفة من الأراضى الزراعية، بلغت ١٥٠ فدانًا لكل من على رتبة قائمقام، فى مقابل مساحات مضاعفة لمن هو أكبر فى الرتبة، واتجه بعض الضباط إلى اختيار أراضيهم من بين أجود الأراضى، حتى ولو كانت مملوكة لغيرهم، إذ كانت القرارات تصدر بنزع الملكية وتعويضهم بأراض أردأ، أغضب هذا الظلم «عرابى»- كما حكى فى مذكراته- فاحتج عليه، يضاف إلى ذلك احتجاجه على ترقية ضباط لا يستحقون الترقية.

ظل «عرابى» مفصولًا من الخدمة ٣ سنوات متصلة، ولم يشر فى مذكراته إلى الكيفية التى عاد بها إلى الخدمة، ثم ترقيته إلى رتبة «ميرالاى»، واكتفى بالحديث عن أنه اشتكى للخديو إسماعيل، وأيقن الأخير أنه مظلوم فأعاده إلى الخدمة. 

ويبدو أن الحقيقة كانت غير ذلك، فخلال فترة الفصل من الخدمة تزوج «عرابى» من شقيقة زوجة الخديو توفيق فى الرضاعة «أمينة هانم إلهامى»، و«توفيق» هو نجل «إسماعيل»، كما تعلم، وقد كان تدخل زوجة «توفيق» فى الأمر حاسمًا، وتمكنت من إنقاذ زوج شقيقتها «عرابى» وتشفعت لدى إسماعيل «حماها» ليعيده إلى الخدمة مرة ثانية، ثم تشفعت لدى زوجها «توفيق» بعد تولى الحكم لترقية «عرابى» إلى رتبة «ميرالاى». 

ويعنى ذلك ببساطة أن ما نفع «عرابى» فى هذا الموقف هو أنه كان يشبه «العديل» بالنسبة لنجل الخديو إسماعيل وولى عهده، إذ كان الاثنان متزوجين من أختين، حتى ولو كانتا أختين بالرضاعة. هذه المعلومة أكدها «أحمد لطفى السيد» فى مذكراته، وذكر أن السيدة «أمينة إلهامى» زوجة الخديو توفيق كانت وراء ترقية «عرابى» إلى رتبة الـ«ميرالاى» أوائل عهد توفيق، ويذكر نصًا أن: أحمد عرابى مكث فى رتبة القائمقام ١٩ عامًا دون أن يرقى إلى الرتبة التالية، حتى تدخلت «أمينة هانم» فتمت ترقيته إلى رتبة ميرالاى، وكان شفيع عرابى فى ذلك هو زوجته التى كانت أختًا فى الرضاعة لأمينة هانم زوجة الخديو. 

والملفت أن الشيخ الإمام محمد عبده يشير فى مذكراته أيضًا إلى أنه لما جاء «عرابى» إلى الخديو ممتطيًا صهوة جواده وشاهرًا سيفه، أمره «توفيق» بأن يغمد سيفه ويترجل وذكّره بأنه هو الذى رقاه إلى رتبة «ميرالاى».

ثمة شواهد أخرى عديدة على أن أحمد عرابى كان ينعم برعاية وعطف بعض سيدات البيت العلوى، وكان رأسهن «إنجى هانم» زوجة الخديو سعيد. والواضح أن هذه السيدة كانت من ضمن من سعين لدى المحامى الشهير «برودلى» لكى يدافع على عرابى، بعد فشل الثورة، وتسليمه لنفسه، وقد كانت من أكثر الناس سعادة بعد نجاة «عرابى» من الحكم عليه بالإعدام، وتخفيفه إلى حكم بالنفى إلى جزيرة «سيلان».

يقول «عرابى» فى مذكراته: «ولما أنقذنا الله سبحانه من مخالب الموت فرح المصريون الأحرار فرحًا عظيمًا، خصوصًا أحرار العائلة الخديوية». والغالب أن «عرابى» كان يقصد بأحرار العائلة الخديوية بعض سيدات البيت العلوى اللائى وقفن بجانبه، وخصوصًا «إنجى» هانم، ويشير «عرابى» إلى أن «صاحبة الدولة ومثال الكمال إنجى هانم حرم المرحوم محمد سعيد باشا والى مصر الأسبق كتبت إلى جانب المستر برودلى المحامى عنا تشكره للدفاع فى قضيتنا بما يأتى: بلاد مصر تشرفت بمجيئكم إليها، وأنا وجميع أهلها مسرورون من أعمالكم، لأنكم دافعتم عن مبدأ الإنسانية والعدل. ونحن المصريين نبتهل إلى الله فى كل أيام حياتنا أن يهنئكم وينجح مقاصدكم، ونرجو أن العدل والشفقة يحكمان هذه البلاد. هذا وبدفاعكم عن أبناء مصر الذين سعوا لخيرها ودافعوا عنها قد جعلتم إنجلترا محبوبة عندنا، لأن الإنجليز عطفوا علينا فى حزننا ومصيبتنا».

واضح أن هناك جناحًا نسويًا داخل العائلة الخديوية كان يقف وراء أحمد عرابى، وهذا الجناح دعمه كثيرًا، ووقف إلى جواره فى مواقف فاصلة، وقد بدأ هذا الجناح فى التشكل وهو فى رتبة القائمقام، وبدأت إرهاصاته فى الظهور بعد زواجه من شقيقة زوجة الخديو توفيق، وبفضل هذه الزيجة عاد إلى الخدمة بعد فصله منها، وبفضلها أيضًا تمت ترقيته إلى رتبة «ميرالاى»، بعد تولى توفيق الحكم، وظل عرابى ينعم بعلاقات طيبة ودعم جانب من هذا الجناح، حتى بعد أن ثار ضد الخديو توفيق وفكّر فى عزله، وقد كان من بين من استقبلهم فى خيمته فى «التل الكبير» العديد من أميرات البيت العلوى اللائى كن يفدن إليه، معربات عن دعمهن له، وحتى يأخذن منه عهد أمان على أنفسهن وأموالهن، إذا تمكن من الإطاحة بالخديو.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق