ما بين الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة من دون توقّف، والمساعي العربية والأميركية والأوروبية للجم الغطرسة الإسرائيلية، ومحاولة إيجاد مخرج لائق للتصويت الصحيح للمغتربين، يمكن لأي متصحف لوسائل التواصل الاجتماعي الاستنتاج بأن اللبناني الساعي وراء لقمة عيشه قد أصبح في مكان آخر من كل هذه الضجة. فابن قرى الحافة الجنوبية لا يهمّه كثيرًا ما يدور في الكواليس الديبلوماسية. همّه الوحيد أن يعود إلى قريته، وأن تبدأ ورشة إعادة بناء منزله، الذي هدّمته إسرائيل فوق رؤوس ساكنيه، وأن يعود إلى حقله ويعيد زرعه من جديد، أو أن يقطف ما تبقّى له من خيرات أرضه، وألاّ يبقى عرضة لخرق من هنا وانتهاك من هناك كما حصل في بلدة بليدا.
أمّا أبناء المناطق البعيدة عن الاستهدافات الإسرائيلية فجّل ما يقلقهم، إضافة إلى تحرير الجنوب بالطبع، هو أن تسود الشرعية اللبنانية على كامل التراب اللبناني، وألا يبقى أي سلاح خارج القوى الشرعية، وألاّ يكونوا هدفًا لسلاح متفلت، سواء في المخيمات الفلسطينية أو خارجها، وألا تتكرّر مأساة الشاب إيليو أبو حنا، الذي ذهب ضحية غياب الأمن الشرعي بنسب متفاوتة بين منطقة وأخرى.
ولكن الأهم من كل هذا بالنسبة إلى جميع اللبنانيين من دون استثناء، وعلى رغم أهمية الاستقرار السياسي والأمني، أن يسود الاستقرار الاقتصادي، الذي عليه تعتمد أكثرية الشعب اللبناني، لكي تصعد من تحت خطّ الفقر إلى المستوى الطبيعي لعيش آمن اجتماعيًا وصحّيًا وتربويًا ومعيشة لائقة.
وهنا تعود إلى الأذهان معادلة الاسبقية بين الأمن والرغيف، وأيًّا منهما يأتي قبل الثاني في تراتبية الأولويات بالنسبة إلى اللبنانيين العاديين غير المعّلبة أفكارهم بكليشيهات قد أصبحت ممجوجة لكثرة تردادها من دون جدوى.
فعلى أهمية الاستقرار الأمني، الذي من دونه لا استقرار سياسيًا، فإن الاستقرار الاقتصادي، وإن كان يأتي كنتيجة طبيعية للاستقرارين الأمني والسياسي، هو مفتاح الولوج إلى ما يؤّمن للمواطن حياة كريمة، ولو بحدّها الأدنى، خصوصًا أن كمية المشاكل والأزمات لا تسمح كثيرًا بالتفاؤل المستدام على صعيد تحسّن الوضع المعيشي لكل فرد من أفراد المجتمع اللبناني بكل تلاوينه وانتماءاته السياسية والطائفية.
فالجوع، كما تقول الدراسات العلمية الموضوعية، لا هوية طائفية له. هو عابر للطوائف والمناطق. إنه معشعش في كل زاوية من بيوت اللبنانيين المتروكين لأقدارهم وللمجهول، وعرضة للهبات الساخنة والباردة.
ففي بلدٍ تتكاثر فيه الأزمات كما تتكاثر الهموم، يعود السؤال المؤلم إلى الواجهة: إذا خُيّر المواطن اللبناني بين الأمن والرغيف، فماذا يختار؟ سؤال يبدو بسيطًا في ظاهره، لكنه في عمقه يعكس مأساة وطن يعيش منذ سنوات على حافة الانهيار.
إن اللبناني الذي أرهقته الأزمات الاقتصادية، وتراجع الخدمات الأساسية، وانعدام الاستقرار السياسي، يجد نفسه اليوم أمام مفاضلة قسرية بين حقَّين لا يُفترض أن يتعارضا: العيش الآمن والعيش الكريم.
فالجوع، حين يستفحل، يحوّل الأمن إلى ترفٍ لا معنى له، كما أن غياب الأمن يجعل الرغيف هشًّا، مهددًا في كل لحظة.
كثيرون من اللبنانيين يميلون إلى الرغيف أولًا، لأن الجوع لا ينتظر ولا يرحم. فكيف يمكن لإنسان أن يفكر في الأمن وهو عاجز عن تأمين لقمة خبزه؟ لكن آخرين يدركون أن الرغيف بلا أمن لا يدوم، وأنه لا يمكن للاقتصاد أن ينتعش في ظل فوضى أو خوف أو سلاح مشرّع خارج الدولة.
الحقيقة أن اللبناني لا يريد أن يُخيَّر بين الاثنين، لأن كلاهما يشكلان أساس الحياة. يريد دولة توفر الأمن ليزدهر الاقتصاد، وتؤمّن الرغيف ليبقى الأمن مستقرًا. يريد مؤسسات قوية، وعدالة تحمي، واقتصادًا يُنصف، لا سلطة تُطعمه لتستعبده، ولا أمنًا يُفرض عليه ليُسكته.
في النهاية، حين يُخيّر اللبناني بين الأمن والرغيف، فإنه يختار الكرامة، لأنها المعنى الجامع بين الاثنين. الكرامة التي لا تُشترى بالرغيف ولا تُرتهن بالأمن، بل تُبنى على العدالة، والمواطنة، والإيمان بأن لبنان يستحق أن يعيش فيه الإنسان بسلام وخبزٍ وحرية.
فحين يكون الوطن معرّضًا للخطر من عدو لا يقيم وزنًا لأي شريعة دولية أو قرار أممي، وعندما يتطاول هذا العدو على الحرمات، وآخرها اعتداؤه على بلدية بليدا، يصبح الأمن أهم من الرغيف، لأن الأمن يكون في هذا المجال مرتبطًا بالكرامة الوطنية. فالأمن لا يكون بالتراضي و"تبويس اللحى". هذا ما فهمته لجنة "الميكانيزم" من إعطاء رئيس الجمهورية لقائد الجيش بضرورة أن يقوم الجيش بما يلزم من خطوات لحماية اللبنانيين من أي اعتداء إسرائيلي على غرار ما حصل في بليدا. وهذه الخطوة الجريئة تجاه عدو متغطرس وعنجهي هكذا سيكون التعامل مع موضوع حصرية السلاح من دون تهاون أو تباطؤ أو مسايرة.
ومتى ما تحقّق كل ذلك يمكن القول إن الرغيف يتصدّر الأولويات.
Advertisement
ولكن الأهم من كل هذا بالنسبة إلى جميع اللبنانيين من دون استثناء، وعلى رغم أهمية الاستقرار السياسي والأمني، أن يسود الاستقرار الاقتصادي، الذي عليه تعتمد أكثرية الشعب اللبناني، لكي تصعد من تحت خطّ الفقر إلى المستوى الطبيعي لعيش آمن اجتماعيًا وصحّيًا وتربويًا ومعيشة لائقة.
وهنا تعود إلى الأذهان معادلة الاسبقية بين الأمن والرغيف، وأيًّا منهما يأتي قبل الثاني في تراتبية الأولويات بالنسبة إلى اللبنانيين العاديين غير المعّلبة أفكارهم بكليشيهات قد أصبحت ممجوجة لكثرة تردادها من دون جدوى.
فعلى أهمية الاستقرار الأمني، الذي من دونه لا استقرار سياسيًا، فإن الاستقرار الاقتصادي، وإن كان يأتي كنتيجة طبيعية للاستقرارين الأمني والسياسي، هو مفتاح الولوج إلى ما يؤّمن للمواطن حياة كريمة، ولو بحدّها الأدنى، خصوصًا أن كمية المشاكل والأزمات لا تسمح كثيرًا بالتفاؤل المستدام على صعيد تحسّن الوضع المعيشي لكل فرد من أفراد المجتمع اللبناني بكل تلاوينه وانتماءاته السياسية والطائفية.
فالجوع، كما تقول الدراسات العلمية الموضوعية، لا هوية طائفية له. هو عابر للطوائف والمناطق. إنه معشعش في كل زاوية من بيوت اللبنانيين المتروكين لأقدارهم وللمجهول، وعرضة للهبات الساخنة والباردة.
ففي بلدٍ تتكاثر فيه الأزمات كما تتكاثر الهموم، يعود السؤال المؤلم إلى الواجهة: إذا خُيّر المواطن اللبناني بين الأمن والرغيف، فماذا يختار؟ سؤال يبدو بسيطًا في ظاهره، لكنه في عمقه يعكس مأساة وطن يعيش منذ سنوات على حافة الانهيار.
إن اللبناني الذي أرهقته الأزمات الاقتصادية، وتراجع الخدمات الأساسية، وانعدام الاستقرار السياسي، يجد نفسه اليوم أمام مفاضلة قسرية بين حقَّين لا يُفترض أن يتعارضا: العيش الآمن والعيش الكريم.
فالجوع، حين يستفحل، يحوّل الأمن إلى ترفٍ لا معنى له، كما أن غياب الأمن يجعل الرغيف هشًّا، مهددًا في كل لحظة.
كثيرون من اللبنانيين يميلون إلى الرغيف أولًا، لأن الجوع لا ينتظر ولا يرحم. فكيف يمكن لإنسان أن يفكر في الأمن وهو عاجز عن تأمين لقمة خبزه؟ لكن آخرين يدركون أن الرغيف بلا أمن لا يدوم، وأنه لا يمكن للاقتصاد أن ينتعش في ظل فوضى أو خوف أو سلاح مشرّع خارج الدولة.
الحقيقة أن اللبناني لا يريد أن يُخيَّر بين الاثنين، لأن كلاهما يشكلان أساس الحياة. يريد دولة توفر الأمن ليزدهر الاقتصاد، وتؤمّن الرغيف ليبقى الأمن مستقرًا. يريد مؤسسات قوية، وعدالة تحمي، واقتصادًا يُنصف، لا سلطة تُطعمه لتستعبده، ولا أمنًا يُفرض عليه ليُسكته.
في النهاية، حين يُخيّر اللبناني بين الأمن والرغيف، فإنه يختار الكرامة، لأنها المعنى الجامع بين الاثنين. الكرامة التي لا تُشترى بالرغيف ولا تُرتهن بالأمن، بل تُبنى على العدالة، والمواطنة، والإيمان بأن لبنان يستحق أن يعيش فيه الإنسان بسلام وخبزٍ وحرية.
فحين يكون الوطن معرّضًا للخطر من عدو لا يقيم وزنًا لأي شريعة دولية أو قرار أممي، وعندما يتطاول هذا العدو على الحرمات، وآخرها اعتداؤه على بلدية بليدا، يصبح الأمن أهم من الرغيف، لأن الأمن يكون في هذا المجال مرتبطًا بالكرامة الوطنية. فالأمن لا يكون بالتراضي و"تبويس اللحى". هذا ما فهمته لجنة "الميكانيزم" من إعطاء رئيس الجمهورية لقائد الجيش بضرورة أن يقوم الجيش بما يلزم من خطوات لحماية اللبنانيين من أي اعتداء إسرائيلي على غرار ما حصل في بليدا. وهذه الخطوة الجريئة تجاه عدو متغطرس وعنجهي هكذا سيكون التعامل مع موضوع حصرية السلاح من دون تهاون أو تباطؤ أو مسايرة.
ومتى ما تحقّق كل ذلك يمكن القول إن الرغيف يتصدّر الأولويات.









0 تعليق