خريجو اختصاص المرور: إصلاح معلّق على ورق الدولة

لبنان24 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
بين النصّ والواقع، تتكشّف واحدة من أكثر المفارقات المؤلمة في الدولة اللبنانية: مؤسسات تُطلق اختصاصات أكاديمية ثم تعجز عن ربطها بأي خطة عمل أو رؤية مهنية مستدامة. هكذا تحوّل اختصاص المرور، الذي أُطلق بعد قانون السير الجديد عام 2012 ليكون بوابة إصلاح وتحديث، إلى عنوانٍ جديد للإهمال والتناقض الإداري.

Advertisement


الاختصاص الذي أُنشئ بقرار رسمي وجرى اعتماده أكاديمياً منذ عام 2016 لم يكن مجرّد مادة تعليمية، بل صمم كمشروع لبناء كوادر مهنية في قطاعٍ يُفترض أنه يشكّل مرآة لمدى التزام الدولة بالسلامة العامة. لكن ما حصل هو العكس تماماً، إذ إنّ الدولة أنشأت الاختصاص، ثم تخلّت عنه، وسمحت بتوسّع مدارس السوق وإعطاء تراخيص بلا معايير ولا كفاءة، في حين بقي خريجو التعليم المهني خارج المشهد، وكأنّهم غرباء عن النظام الذي أُعدّ على مقاسهم.

ما يعبّر عنه خريجو اختصاص المرور اليوم ليس احتجاجاً على غياب وظيفة، بل صرخة على غياب العدالة. فهم لم يطلبوا امتيازات ولا مواقع، بل فقط تطبيق القانون الذي بُني عليه اختصاصهم. ومع ذلك، لم يجدوا سوى الجدار الإداري المعتاد، حيث القرارات تُعلَّق، والوعود تُكرَّر، والملفات تُطوى إلى أن تفقد معناها.

وفي خطوة تعكس وعياً تنظيمياً ومسؤولية مدنية، تقدّم هؤلاء الخريجون بكتابٍ إلى الجهات المعنية طالبين إعادة الاعتبار لاختصاصهم، وفتح باب التدريب العملي، ومنحهم الرخص القانونية التي تمكّنهم من ممارسة مهنتهم بصفة رسمية. وهي مطالب لا تحتمل الجدل، لأنها ببساطة حقّ قائم على قانون وقرار حكومي واضح.

لكنّ السؤال الأكبر يبقى: كيف يمكن الحديث عن السلامة المرورية بينما الدولة نفسها تُقصي الكفاءات التي وُلدت لخدمتها؟ كيف يمكن الحديث عن تطوير نظام القيادة فيما المعايير المهنية غائبة، والمدارس تُدار بمزاج السوق لا بمستوى المعرفة؟ وكيف يمكن بناء ثقة المواطن بقوانين السير فيما القانون الأول، أي المساواة، هو أول من يُخرق؟

إنّ معالجة هذا الملف لا تحتاج إلى شعارات جديدة، بل إلى قرار واضح باحترام الكفاءة وتطبيق القوانين التي أُقرت باسم الإصلاح. فخريجو اختصاص المرور لا يطلبون أكثر من الاعتراف بحقهم في ممارسة ما درسوه، وفي أن تكون المساواة معياراً لا استثناء.

إعادة تفعيل هذا الاختصاص ليست قضية قطاعية أو مطلبية، بل اختبار جدي لقدرة الدولة على ترجمة قراراتها إلى فعلٍ مؤسّسي. فحين تُنصف الكفاءات وتُفعَّل الاختصاصات بدل تعطيلها، يمكن عندها الحديث عن إصلاح حقيقي في منظومة السير، وعن دولة تعرف أن السلامة تبدأ من احترام من أُعدّوا لحمايتها، لا من لجانٍ ووعودٍ تُضاف إلى أرشيف النسيان.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق