تفصلنا أيام قليلة عن الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير، ذلك الصرح الثقافي والحضاري الذي يُعد أكبر متحف للحضارة المصرية، والمُقام على مساحة تُقدّر بنحو 500 ألف متر مربع، والمقرر افتتاحه في الأول من نوفمبر المقبل.
وأشار خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان، عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة ورئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية، إلى أن فكرة إنشاء المتحف المصري الكبير تعود إلى تسعينيات القرن الماضي، وقد تبلورت في تأسيس المتحف عام 2002 في عهد الوزير الفنان فاروق حسني، وزير الثقافة آنذاك، حين كان المجلس الأعلى للآثار تابعًا لوزارة الثقافة.
وأوضح ريحان، في تصريحات لـ«الدستور»، أنه تم اختيار موقع المتحف بجوار الأهرامات لما يحمله من دلالة رمزية لارتباط اسم مصر بالهرم الأكبر، العجيبة الوحيدة الباقية من عجائب الدنيا السبع، فكل زائر إلى مصر يرتبط في ذهنه الهرم منذ لحظة تفكيره في السفر، ومن هنا جاءت فكرة إقامة المتحف الكبير ليحتضن الهرم بصريًا ومعنويًا.
وأشار إلى أن تصميم واجهة المتحف جاء على هيئة مثلثات تنقسم إلى مثلثات أصغر في إطار رمزي للأهرام، وفق نظرية رياضية لعالم بولندي حول التقسيم اللانهائي للمثلث، بما يعكس عبق الحضارة المصرية القديمة ويحمل دلالات تاريخية عميقة.
وأضاف ريحان أن مصر أعلنت بداية المشروع تحت رعاية منظمة اليونسكو والاتحاد الدولي للمهندسين المعماريين، حيث طُرحت مسابقة معمارية دولية لأفضل تصميم للمتحف، فاز بها المكتب الأيرلندي Heneghan Peng Architects.
واعتمد التصميم الفائز على فكرة أن أشعة الشمس الممتدة من قمم الأهرامات الثلاثة تلتقي لتكوّن كتلة مخروطية تمثل المتحف المصري الكبير.
وضع حجر الأساس للمشروع الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك في 4 فبراير عام 2002، بحضور عدد من المختصين والمسؤولين، من بينهم وزير الثقافة فاروق حسني، والأمين العام للمجلس الأعلى للآثار آنذاك الدكتور جاب الله علي جاب الله.
وبيّن ريحان أن أعمال الإنشاء بدأت فعليًا في مايو 2005 بعد تمهيد الموقع وتجهيزه، وفي عام 2006 أُنشئ أكبر مركز لترميم الآثار في الشرق الأوسط، خُصص لترميم وصيانة وتأهيل القطع الأثرية المقرر عرضها داخل قاعات المتحف.
مراحل الإنشاء:
أوضح الدكتور ريحان أن مراحل إنشاء المتحف بدأت بالإعلان عن المسابقة المعمارية الدولية لتصميم أكبر متحف للآثار المصرية في العالم بجوار هضبة الأهرام.
نُظمت المسابقة برعاية اليونسكو، وشارك فيها معماريون واستشاريون من 83 دولة قدموا 1557 مشروعًا.
وفي يوليو 2003 تم توزيع الجوائز على الفائزين الأوائل، وبلغ إجمالي الجوائز 750 ألف دولار.
وشارك في التصميم الفائز 14 مكتبًا استشاريًا من خمس دول، واستغرقت دراسة المشروع ثلاث سنوات بتكلفة مليوني دولار، ودوِّنت تفاصيلها في ثمانية مجلدات.
المرحلة الأولى (2003 – 2004): إعداد الدراسات الهندسية والفنية للتصميم الابتدائي.
المرحلة الثانية (2004 – 2005): إعداد الرسومات النهائية وبدء أعمال البناء في مايو 2005.
المرحلة الثالثة (2006 – 2007): وضع التصميم التفصيلي واختبار المواد والأنظمة التقنية.
المرحلة الرابعة (2007 – 2008): إعداد التصميم المتكامل لجميع التخصصات.
وأضاف ريحان أن أعمال البناء والتشييد بدأت بالتوازي مع التصميم، وشملت إنشاء مركز الترميم، ومحطتي الطاقة الكهربائية، ومحطة إطفاء الحريق، ومبنى الأمن والمخازن الأثرية، بتكلفة بلغت 240 مليون جنيه (43 مليون دولار)، بتمويل كامل من صندوق تمويل الآثار.
وشملت الأعمال تجهيز محطة الطاقة لتوفير التكييف المركزي والتحكم البيئي، إلى جانب مركز إطفاء مجهّز لخدمة المتحف والمنطقة المحيطة.
كما جرى تأهيل الموقع خلال ستة أشهر تضمنت إزالة المخلفات، وتحديد الملكية بأسوار بطول 3 كيلومترات، وتمهيد الطرق الداخلية، وتخصيص موقع آمن لنقل تمثال رمسيس الثاني.
وفي يوليو 2006 تم التعاقد مع الشركة المنفذة لبناء مركز الترميم ومركز الطاقة ومحطة الإطفاء، وانتهى البناء خلال 21 شهرًا، ليُجهّز مركز الترميم بالآلات والمعدات اللازمة لإعداد نحو 100 ألف قطعة أثرية للعرض.
وفي 14 يونيو 2010 افتتحت السيدة سوزان مبارك المرحلة الثانية من المشروع، بحضور عدد من الوزراء والمسؤولين، من بينهم فاروق حسني، والدكتور زاهي حواس، والدكتورة شادية قناوي رئيس لجنة الإشراف على التنفيذ.
وبدأت المرحلة التالية عام 2012، وشملت بناء المبنى الرئيسي للمتحف على مساحة 108 آلاف متر مربع، متضمنًا صالات العرض، ومتحف العلماء، ومركز المؤتمرات، والسينما ثلاثية الأبعاد، والمكتبة الأثرية، ومتحف الطفل، ومركز الحرف والفنون التقليدية، والحديقة المتحفية، والمسار الثقافي المتصل بهضبة الأهرام.
يُذكر أن تمثال رمسيس الثاني نُقل عام 2006 من ميدان رمسيس إلى موقعه الجديد أمام المتحف، ثم نُقل في عام 2018 إلى البهو الرئيسي بالمتحف استعدادًا للافتتاح.
واختتم الدكتور ريحان حديثه موضحًا أن المرحلة الأخيرة تضمنت تشييد صالات العرض المتحفي، ومتحف الدارسين، ومركز المؤتمرات، والمكتبة، ومتحف الطفل، تمهيدًا للافتتاح الجزئي الأول في مايو 2018، وصولًا إلى الافتتاح الرسمي المنتظر قريبًا.












0 تعليق