في مثل هذا اليوم.. الولايات المتحدة تكشف النقاب عن تمثال الحرية

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في يوم تاريخي من أيام العالم الحديث، وتحديدًا في 28 أكتوبر عام 1886، شهدت مدينة نيويورك حدثًا غير مسبوق حين كشف النقاب عن تمثال الحرية، الهدية التي قدمتها فرنسا إلى الولايات المتحدة الأمريكية احتفالًا بمرور قرن على استقلال الأخيرة، وتخليدًا لقيم الحرية والديمقراطية التي جمعت بين الشعبين، لم يكن ذلك التمثال مجرد عمل فني ضخم يزين الميناء، بل أصبح مع مرور الزمن رمزًا عالميًا للحرية الإنسانية، وأيقونة تجسد الأمل لكل من يسعى نحو حياة أفضل.

تمثال الحرية
تمثال الحرية

خلفية تاريخية: هدية من فرنسا إلى أمريكا

 

جاءت فكرة التمثال من المفكر والسياسي الفرنسي إدوار رينيه دو لابولاي، الذي كان مؤمنًا بأن الولايات المتحدة تمثل النموذج الأبرز للحرية بعد نجاح ثورتها ضد الاستعمار البريطاني، أراد لابولاي أن يقدم الشعب الفرنسي هدية تذكارية إلى الشعب الأمريكي بمناسبة الذكرى المئوية لإعلان الاستقلال عام 1776، وأن تكون هذه الهدية تجسيدًا للقيم المشتركة بين البلدين: الحرية، العدالة، والديمقراطية.

 

أُسند تصميم التمثال إلى النحات الفرنسي فريدريك أوجست بارتولدي، وهو فنان اشتهر بأعماله الضخمة التي تجمع بين الجمال الرمزي والدقة الهندسية، أما الهيكل الداخلي الحديدي الداعم للتمثال فقد صممه المهندس الشهير جوستاف إيفل، الذي سيصبح لاحقًا مصمم برج إيفل في باريس.

تمثال الحرية
تمثال الحرية

رحلة البناء والنقل إلى أمريكا

 

استغرق بناء تمثال الحرية نحو تسع سنوات كاملة في فرنسا، بين عامي 1875 و1884، حيث تم تمويل المشروع من خلال تبرعات شعبية واسعة شارك فيها الآلاف من المواطنين الفرنسيين والأمريكيين، أما في الولايات المتحدة، فقد تم بناء قاعدة التمثال على جزيرة صغيرة في ميناء نيويورك، كانت تعرف آنذاك باسم “جزيرة بيدلو”، وأُعيد تسميتها لاحقًا بـ جزيرة الحرية (Liberty Island).

 

في يونيو 1885، تم تفكيك التمثال إلى 350 قطعة ونقلها عبر المحيط الأطلسي على متن السفينة الفرنسية "إيزير"، وبعد رحلة طويلة، وصلت القطع إلى ميناء نيويورك، حيث أعيد تجميعها وتركيبها بدقة هندسية مذهلة استمرت لأشهر.

تمثال الحرية
تمثال الحرية

حفل الافتتاح وكلمة الحرية للعالم

 

في 28 أكتوبر 1886، احتشد الآلاف في ميناء نيويورك لحضور الاحتفال الرسمي بإزاحة الستار عن تمثال الحرية، حضر الحفل الرئيس الأمريكي جروفر كليفلاند، الذي وصف التمثال بأنه “أعظم رمز للصداقة بين الأمم، وتجسيد للحرية التي لا تعرف حدودًا”.

منذ تلك اللحظة، تحول التمثال إلى أيقونة وطنية ووجهة لكل من يدخل الولايات المتحدة، حيث أصبح المشهد الأول الذي يراه المهاجرون القادمون عبر السفن إلى ميناء نيويورك، وكأن التمثال يرحب بهم إلى “أرض الأحلام والحرية”.

تمثال الحرية
تمثال الحرية

رمزية التمثال وتصميمه

 

يبلغ ارتفاع تمثال الحرية 93 مترًا من قاعدة التمثال إلى أعلى المشعل، ويزن أكثر من 200 طن، تمثل المرأة في التمثال ليبرتاس، وهي إلهة الحرية في الأساطير الرومانية، وقد ارتدت رداءً فضفاضًا وتحمل في يدها اليمنى شعلة مضيئة ترمز إلى النور والهداية، بينما تحمل في يدها اليسرى لوحًا منقوشًا عليه تاريخ استقلال أمريكا (4 يوليو 1776).

 

أما السبع أشعة المنبعثة من تاجها، فترمز إلى القارات السبع، في إشارة إلى أن الحرية يجب أن تمتد إلى جميع أرجاء الأرض، كما أن القيود المكسورة عند قدميها ترمز إلى التحرر من الطغيان والعبودية، لتؤكد أن الحرية لا تمنح، بل تنتزع بالكفاح والإصرار.

تمثال الحرية
تمثال الحرية

رمز للمهاجرين وأمل للمضطهدين

 

منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، استقبلت الولايات المتحدة ملايين المهاجرين من أوروبا وآسيا بحثًا عن حياة جديدة، وكان تمثال الحرية هو أول ما تقع عليه أعينهم عند وصولهم إلى ميناء نيويورك، فبات بالنسبة لهم رمزًا للأمل والبداية الجديدة.

وقد خلد الشاعرة الأمريكية إيما لازاروس هذا المعنى في قصيدتها الشهيرة “العملاق الجديد”، المنقوشة على قاعدة التمثال، حيث تقول فيها:

 

“أعطني المتعبين، الفقراء، المزدحمين الذين يتوقون إلى التنفس بحرية".

تمثال الحرية
تمثال الحرية

من رمز وطني إلى تراث إنساني عالمي

 

مع مرور الزمن، تجاوز تمثال الحرية حدود الولايات المتحدة ليصبح رمزًا عالميًا للحرية وحقوق الإنسان، وفي عام 1984، أدرجته منظمة اليونسكو ضمن قائمة التراث العالمي، تقديرًا لقيمته الفنية والتاريخية والرمزية.

كما خضع التمثال لعمليات ترميم كبرى في عام 1986، بمناسبة مرور مئة عام على إنشائه، حيث أُعيد طلاء هيكله وتجديد الشعلة لتعود أكثر بريقًا.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق