مع اقتراب افتتاح المتحف المصري الكبير في 1 نوفمبرالمقبل، الذي يعد من أكبر المتاحف الأثرية في العالم، والذي يتبين من خلالة عبقرية المزج بين الفن والهندسة، ويبرز ذلك في تصميم الدرج العظيم، حيث يكون الدرج العظيم أول ما يستقبل الزائر، ويعد الدرج العظيم واحدًا من أبرز المكونات المعمارية داخل المتحف المصري الكبير، فيجمع بين كونه ممرًا رئيسيًا وقاعة عرض أثرية كبرى في آن واحد، ويمثل هذا الدرج نقطة الانتقال المركزية داخل المتحف، إذ يبدأ منه الزائر رحلته بين العصور المصرية المختلفة في تجربة بصرية متدرجة نحو أهرامات الجيزة.
وبهذا التصميم المتكامل، يجمع الدرج بين الوظيفة العملية والجمالية، ليكون أحد أهم عناصر العرض المتحفي التي تعكس فلسفة المتحف في الدمج بين الهندسة الحديثة وروح الحضارة المصرية.
الدرج العظيم.. بوابة الملوك في المتحف المصري الكبير
يمتد الدرج لمسافة 64 مترًا بارتفاع 24 مترًا، وعرض يبلغ 85 مترًا في الأسفل و17 مترًا في الأعلى، ليشكّل محورًا بصريًا يصعد بالزائر نحو التاريخ، متدرجًا بين عصور الدولة القديمة وحتى العصر اليوناني الروماني، ويُعد الدرج الأول من نوعه في العالم من حيث التصميم والمحتوى، إذ يضم ما يقرب من 72 قطعة أثرية ضخمة تمثل رموز الملوكية والفن المصري القديم في أوج مجده.
فكرة تصميم الدرج العظيم
استُوحي تصميم الدرج العظيم من “الطرق الصاعدة” التي شيدها المصريون القدماء لربط وادي المعابد بالأهرامات، فجاء البناء الحديث امتدادًا لتلك الفلسفة المعمارية القديمة التي تربط بين الأرض والسماء، وبين الملك والخلود.
تم تنفيذ الدرج ليكون أكثر من ممر داخلي، بل عرض متحفي متكامل يروي قصة الملك والآلهة والحياة الأبدية عبر أربعة مستويات تمثل محطات التطور في الفكر المصري القديم.
وتصطف على جانبيه تماثيل الملوك في أوضاع مهيبة، تتدرج صعودًا حتى تلتقي بعين الزائر مع المشهد البانورامي لأهرامات الجيزة، في تواصل بصري يدمج الماضي بالحاضر في لقطة واحدة.
كما جُهّزت قاعة الدرج بتقنيات عرض وإضاءة متقدمة تحاكي الطقوس الملكية القديمة، ليعيش الزائر تجربة حسية بصرية تتجاوز مجرد المشاهدة إلى المشاركة في عبور تاريخ مصر الملكي.
72 قطعة أثرية تروي فكر المصري القديم علي اربع مستويات
يُقسَّم سيناريو العرض المتحفي للدرج العظيم إلى أربعة مستويات رئيسية، تبدأ بـ “الهيئة الملكية”، حيث تُعرض تماثيل الملوك التي تعكس تطور الفن الملكي عبر العصور، ومن أهم التماثيل المعروضة على الدرج العظيم في المرحلة الأولى: "تمثال رمسيس الثاني، تمثال للملك سيتي الأول من الجرانيت الوردي، تمثال للملك سنوسرت الثالث أو أمنمحات الرابع من عصر الدولة الوسطى مصنوع من الكوارتزيت، ويظهر عليه أميرتان، وقد أُعيد استخدام التمثال مرة أخرى في عهد الملك رمسيس الثاني والملك مرنبتاح، تمثال للملك سيتي الثاني مصنوع من الكوارتزيت، من عصر الدولة الحديثة، تمثال للملك أمنحتب الثالث، تمثال للملكة حتشبسوت، تمثال للإمبراطور الروماني كاراكالا من الجرانيت الأحمر".
أما الموضوع الثاني فهو “الدور المقدسة” أو أماكن العبادة، ويضم أعمدة وبوابات ومسلات ضخمة مثل "عمودان وعتب من الجرانيت الأحمر للملك ساحورع من عصر الدولة القديمة، تمثال على هيئة أبو الهول للملك أمنمحات الثالث، بوابة الملك أمنمحات الأول، عمودان وعتب للملك سوبك إم ساف الأول من عصر الدولة الوسطي، ناووس للملك سنوسرت الأول، مسلة للملك مرنبتاح، قمة مسلة للملكة حتشبسوت، ناووس للملك رمسيس الثاني، ناووس للملك نختنبو الثاني".
ويأتي القسم الثالث بعنوان “الملوك والمعبودات”، فيكشف عن العلاقة الرمزية بين الحاكم والإله في العقيدة المصرية القديمة، حيث تُعرض تماثيل المعبود مثال" للمعبود بتاح من الحجر الرملي، تمثال للملك سنوسرت الأول بالهيئة الأوزيرية، تمثال تمثال للملك رمسيس الثاني في حماية إحدى المعبودات، ثالوث من الجرانيت الوردي للمعبود بتاح والملك رمسيس الثاني والمعبودة سخمت، تمثال مزدوج للملك أمنحتب الثالث مع المعبود رع حور آختي، تمثال مزدوج للملك رمسيس الثاني والمعبودة عِنات، تمثالين للمعبود سرابيس من العصر الروماني".
أما القسم الرابع والأخير، “الرحلة إلى الحياة الأبدية”، يتحدث عن الحياة الأخرى من خلال عرض عدد من التوابيت الملكية المميزة التوابيت الحجرية المربعة فقط والجسم الملكى محنطة من فترات مختلفة، على الدرج العظيم المتفرد به المتحف الكبير، لتجسد رؤية المصري القديم للموت كبوابة عبور نحو الخلود، ومن هذه المعروضات،" تابوت الملكة مرس عنخ الثالثة من عصر الدولة القديمة، تابوت الأمير خوفو جدف، تابوت الأميرة نيتوكريس، تابوت جحوتي مس، تابوت حو سا إيست الأول، تابوت تحتمس الأول".
التكامل مع تجربة الزائر داخل المتحف المصري الكبير
يُعد الدرج العظيم القلب النابض للمتحف المصري الكبير، إذ يربط بين قاعة الملك توت عنخ آمون من جهة، والمناطق التجارية والخدمية من جهة أخرى، ومع كل خطوة يصعدها الزائر، يمر برحلة زمنية تعيد إحياء ملوك مصر وكهنتها وآلهتها مما يجعلة قاعة عرض بجانب انه درج، حتى يصل إلى نهاية الدرج التي تفتح على الأفق الممتد للأهرامات.
يمتزج في هذه المساحة الفريدة الفن بالتكنولوجيا، والترميم الدقيق بالهندسة الحديثة، ليصبح “الدرج العظيم” ليس مجرد ممر وقاعة عرض، بل تجربة روحية ومعرفية متكاملة تختصر آلاف السنين من الحضارة المصرية في رحلة واحدة.















0 تعليق