في مثل هذا اليوم، وتحديدًا في 25 أكتوبر عام 1966، رحل عن عالمنا الفنان محمد كمال المصري، الذي عُرف باسمه الفني الشهير "شرفنطح"، ذلك الاسم الذي اختاره لنفسه من إحدى الشخصيات التي جسدها على خشبة المسرح.
وبرحيله، فقدت الكوميديا المصرية أحد أبرز رموزها في النصف الأول من القرن العشرين، وأحد الذين صنعوا بهجة المسرح والسينما بخفة ظل راقية لا تُنسى.
بدايات شرفنطح
وُلد شرفنطح في 18 أغسطس عام 1886 بحارة ألماظ في شارع محمد علي بالقاهرة، ونشأ في حي شعبي ساعده على تكوين شخصيته الفنية التي جسدت المصري البسيط بتعقيداته وهمومه بشكل ساخر قريب من القلب.
وكان والده معلمًا بالأزهر الشريف، وأراد أن يهيئ له مستقبلًا علميًا مشرقًا، فألحقه بمدرسة الحلمية الأميرية، وهناك بدأت ملامح موهبته في التمثيل بالظهور من خلال الفرقة المسرحية المدرسية التي كان أحد أعضائها، وأدى أول أدواره وهو لا يزال طالبًا بدور بائع أحذية، وحاز إعجاب زملائه ومدرسيه، ليقرر المضي في طريق الفن، وانضم بعدها إلى مسارح الهواة مقلدًا الشيخ سلامة حجازي حتى أطلقوا عليه لقب سلامة حجازي الصغير، لما امتلكه من قدرة على الأداء الصوتي والتقليد.
شرفنطح وطريقه إلى المسرح
عمل محمد كمال المصري في عدد من الفرق المسرحية الشهيرة، منها فرقة سلامة حجازي، وفرقة سيد درويش، وفرقة جورج أبيض، وفرقة نجيب الريحاني، التي تألق فيها بأدواره الكوميدية المميزة، وقد جسد في المسرح عدة شخصيات كالرجل الضئيل الماكر، صاحب الصوت المميز، البخيل، والمشاغب الذكي.
ومن أبرز مسرحياته: مملكة الحب، المحظوظ علشان بوسة، آه من النسوان، ياسمينة، نجمة الصباح، وهي أعمال عكست خفة ظله وذكاءه الفني وقدرته على تجسيد تفاصيل الشخصية المصرية بروح الدعابة.
شرفنطح.. من المسرح إلى السينما
مع دخول السينما إلى مصر، اجتذبته الأضواء الجديدة، فخاض تجربته الأولى عام 1928 في فيلم "سعاد الغجرية" مقابل أجر 50 جنيهًا، وكان هذا بداية مشوار سينمائي طويل قدم خلاله أكثر من 45 عملًا فنيًا بين المسرح والسينما.
وشارك شرفنطح كبار نجوم زمنه، فوقف أمام نجيب الريحاني في ثلاثة أفلام شهيرة: سلامة في خير (1937)، سي عمر (1941)، وأبو حلموس (1947)، كما شارك أم كلثوم في فيلمي "سلامة" و"فاطمة"، وظهر مع فريد الأطرش وإسماعيل ياسين في عدد من الأفلام البارزة.
ومن أشهر أدواره: ناظر المدرسة في فيلم سلامة في خير، والأسطى عكاشة صاحب صالون "دقن الباشا" في الآنسة ماما، وشملول زوج "ضريبة هانم" في عفريتة إسماعيل ياسين، وغيرها من الشخصيات التي جعلت الجمهور يضحك من القلب، ويحفظ اسمه رغم أنه لم يكن بطلًا أولًا.
وتميز شرفنطح بملامحه الضئيلة، وأنفه الكبير، وعينيه الواسعتين، وشواربه المهذبة، وطربوشه الأنيق، وهي سمات شكلت جزءًا من شخصيته الفنية التي لا تُنسى. كان يؤدي أدواره بخفة ظل طبيعية وبأسلوب راقٍ بعيد عن المبالغة، فاستحق أن يُلقب بـ "أسطورة الكوميديا الراقية المنسية".
حكاية الحاج شرفنطح
في عام 1953، قرر الفنان الكبير أداء فريضة الحج، فأطلق عليه زملاؤه لقب "الحاج شرفنطح"، وبعد عودته شارك في آخر أدواره السينمائية عام 1954 في فيلمي "عفريتة إسماعيل يس" و"حسن ومرقص وكوهين" من إخراج فوزي الجزايرلي.
غير أن المرض لم يمهله طويلًا؛ إذ هاجمه الربو بشدة، فاضطر إلى الاعتزال والانزواء في مسكنه الصغير بحارة ألماظ، وعاش سنوات صعبة من الفقر والوحدة، لا يرافقه سوى زوجته التي لم يُرزق منها أبناء، ومع تهالك بيته، أخلته البلدية، فاضطر إلى جمع حاجياته البسيطة والانتقال إلى غرفة صغيرة في حي القلعة، يعيش فيها على معاش قدره عشرة جنيهات خصصته له نقابة الممثلين، بالكاد يكفي ثمن دوائه.
الرحيل الصامت لـ شرفنطح
في صباح يوم 25 أكتوبر 1966، أسدل الستار على حياة أحد عمالقة الكوميديا المصرية، ولم يعلم أحد بوفاته إلا عندما جاء موظف النقابة لتسليمه معاشه الشهري، فطرق بابه دون جدوى، ليخبره الجيران بعبارة مؤلمة: "البقية في حياتك.. عم شرفنطح مات".











0 تعليق