زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى بروكسل، وتدشين الشراكة الاستراتيجية الشاملة، يعدان تتويجًا لمسار طويل من التفاهم والتعاون، ونقلة نوعية فى العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبى.
هذه الزيارة الناجحة، التى حظيت باهتمام إقليمى ودولى واسع، لم تكن مجرد لقاءات بروتوكولية، بل كانت منصة لترسيخ دور مصر المحورى كمركز ثقل إقليمى وشريك استراتيجى يمكن الاعتماد عليه لأوروبا فى مواجهة التحديات المشتركة. وقد أكدت الأجندة المتكاملة للزيارة أبعادها السياسية والاقتصادية والأمنية، ما يخدم المصالح المتبادلة، ويفتح آفاقًا جديدة للتعاون.
ففى البُعد السياسى جاءت القمة لتؤكد التوافق فى الرؤى بين الجانبين حول أهمية تحقيق الاستقرار الإقليمى والدولى، خاصة فى ظل الأوضاع المعقدة التى تشهدها المنطقة، ولا سيما فى قطاع غزة. لقد مثلت الزيارة فرصة للرئيس السيسى لتوضيح الموقف المصرى الثابت والجهود الدبلوماسية المستمرة لوقف إطلاق النار وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية. كما أسهمت فى تعزيز موقف الاتحاد الأوروبى الداعم لحل الدولتين.
إن الدور المصرى الفاعل فى إدارة الأزمات الإقليمية، الذى تلته زيارة مماثلة سابقة شهدت إطلاق الإعلان المشترك للشراكة الاستراتيجية الشاملة، رسخ قناعة القادة الأوروبيين بأهمية التنسيق مع القاهرة فى ملفات الأمن الإقليمى ومكافحة الإرهاب، التى تمثل أولوية قصوى لكلا الطرفين. وقد شدد الرئيس السيسى خلال لقاءاته على أن مصر تنعم بالأمن والاستقرار السياسى، ما يجعلها حليفًا موثوقًا لأوروبا.
أما على الصعيد الاقتصادى فقد شكلت الزيارة ذروة النشاط، حيث شهدت القمة انعقاد منتدى اقتصادى مصرى أوروبى موسع. هذا المنتدى، بمشاركة حاشدة لأكثر من ٣٠٠ من رؤساء وممثلى أكثر من ٦٠ شركة أوروبية و١٠٠ شركة مصرية، ومؤسسات تمويل دولية، ترجم الثقة الأوروبية المتزايدة فى الاقتصاد المصرى وإمكاناته الواعدة.
وخلال كلمته، أكد الرئيس السيسى أن مصر تمثل فرصة حقيقية أمام مجتمع الأعمال الأوروبى، وأن الدولة ملتزمة بدعم القطاع الخاص ليكون محركًا رئيسيًا للتنمية. وتناولت المناقشات سبل تعميق اندماج مصر فى سلاسل الإمداد الأوروبية، ونقل التكنولوجيا وتوطين الصناعة المشتركة، ودعم الاستثمار الأوروبى فى السوق المصرية، خاصة بعد إطلاق حزمة المساعدات المالية الأوروبية بقيمة ٥ مليارات يورو فى وقت سابق، وهو ما تناولته أمس فى هذا المكان.
كانت ملفات الطاقة والبنية التحتية والتحول الأخضر فى صلب الاهتمامات المشتركة. فقد أشار المنتدى إلى توسيع نطاق التعاون فى مجالات حيوية مثل الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر والصناعات كثيفة استهلاك الطاقة، ما يسهم فى تعزيز صناعة الطاقة الوطنية وتصدير منتجات الطاقة النظيفة إلى أوروبا.
كما مثلت الزيارة منصة لعقد شراكات استراتيجية فى قطاعات البنية التحتية والتحول الأخضر، ما يعكس توجيه القيادة السياسية الجهود الدبلوماسية لخدمة الاقتصاد الوطنى وجذب الاستثمارات طويلة المدى.
وفى هذا الإطار، تم التأكيد أن مصر يمكنها أن تكون الحليف الصناعى والتكنولوجى لأوروبا. ولم يغفل جدول الأعمال البُعدين الاجتماعى والأمنى، حيث تمت مناقشة قضايا الهجرة غير الشرعية والتنمية المستدامة. ومصر التى تضطلع بدور رائد فى احتواء تدفقات الهجرة غير الشرعية، أكدت رؤيتها الشاملة التى تربط بين مكافحة الهجرة والتنمية الشاملة، وضرورة معالجة الأسباب الجذرية للظاهرة من خلال دعم جهود التنمية فى دول المصدر.
إن زيارة الرئيس السيسى إلى بروكسل كانت ناجحة بجدارة على جميع المستويات. لقد مثلت تتويجًا لمرحلة من الشراكة الوثيقة وتدشينًا لمرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجى الشامل، وعكست مكانة مصر المتقدمة على الخارطة الإقليمية والدولية كشريك مهم، ورسخت الثقة الدولية فى رؤية القيادة المصرية لمستقبل التنمية والاستقرار.
هذا النجاح يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق المنفعة المتبادلة وتعزيز المصالح المشتركة لمصر والاتحاد الأوروبى، فى عالم متزايد الترابط والتحديات.
0 تعليق