في خطوة لاقت ترحيبًا واسعًا بين أبناء الجالية السودانية في مصر، أصدر رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس قرارًا بتخفيض رسوم استخراج وتجديد جوازات السفر للسودانيين المقيمين بالخارج بنسبة 30%، وذلك ابتداءً من الأول من نوفمبر وحتى 31 ديسمبر المقبل.
القرار الذي جاء في وقت حساس تمر فيه الجالية السودانية بظروف استثنائية منذ اندلاع الحرب، اعتُبر بمثابة بارقة أمل وسط واقع قاسٍ تتشابك فيه تحديات النزوح مع أعباء المعيشة وارتفاع تكاليف الحياة اليومية في دول الاستضافة.
دعم واقعي في لحظة حرجة
يرى سودانيون أن القرار يحمل بعدًا إنسانيًا أكثر منه إداريًا، كونه يستجيب لاحتياجات ملموسة لمئات الأسر التي واجهت صعوبة في استخراج أو تجديد جوازاتها بسبب ارتفاع التكلفة في السنوات الأخيرة، خاصة بعد فقدان كثيرين لأوراقهم الثبوتية أثناء النزوح.
بخاري جادالرب جادالله، رب أسرة مكونة من سبعة أفراد يقيم في حي فيصل بالجيزة، يصف القرار بأنه "أنقذهم من مأزق حقيقي".
يقول بخاري بابتسامة ممزوجة بالارتياح: "القرار ده بالنسبة لينا دعم حقيقي في وقت صعب. كنا محتاجين نطلع جوازات جديدة بعد انتهاء القديمة، لكن المبلغ كان فوق طاقتنا. الجواز الواحد كان بيوصل لـ 8 آلاف جنيه، وبعد القرار بقى تقريبًا 5 آلاف. الفارق ده كبير جدًا بالنسبة لأسرة زيّنا، خصوصًا إننا بنعتمد على دخل محدود."
ويضيف أن التخفيض ليس مجرد تقليل في الرسوم، بل هو رسالة تضامن من الحكومة مع السودانيين بالخارج الذين يواجهون ضغوطًا معيشية مضاعفة، ويؤكد: "الإحساس إن الحكومة فاكراك وبتحس بيك في الغربة — ده بحد ذاته بيريّح النفس."
"طوق نجاة" للأسر الممتدة
أما هاجر أنس هاشم، سيدة الأعمال السودانية التي اضطرت لترك نشاطها التجاري في الخرطوم، فتعتبر أن القرار أعاد لها "القدرة على الحلم بالعودة".
تعيش هاجر في القاهرة وسط أسرتها الكبيرة المكونة من 17 فردًا، من بينهم 7 أبناء في مراحل تعليم مختلفة، وزوج مسن، ووالدتان مسنتان، وأشقاء لكلٍّ منهما.
تحكي هاجر قصتها بصوتٍ يغلبه الحنين: "خلال فرارنا من السودان فقدنا أوراقنا الرسمية، وما قدرنا نستخرج جوازات جديدة بسبب التكلفة العالية. كل ما نكسبه بيروح في الإيجار والأكل والتعليم. كنت كل مرة أقول إننا قريب نرجع السودان، لكن الجوازات كانت العائق."
تتابع قائلةً: "القرار ده بيرد لينا الأمل. هو مش مجرد تخفيض مالي، هو دعم نفسي ومعنوي بيدّينا إحساس إن الدولة بتقف معانا وتفكر فينا."
وتشير إلى أن كثيرًا من الأسر السودانية في القاهرة تواجه نفس المعضلة: بين الرغبة في العودة إلى الوطن وبين العجز عن استصدار جوازات جديدة. وتقول: "في أسر كاملة مش قادرة تسافر أو حتى تسجّل أولادها في المدارس بسبب الجوازات. القرار ده حيفتح باب أمل كبير."
معاناة من نوع آخر: قصة ملاذ أبوبكر
أما ملاذ أبوبكر، التي كانت تعمل أخصائية اجتماعية في منظمة إغاثة دولية قبل الحرب، فقصتها تجسّد جانبًا آخر من الأزمة — جانب التشتت الأسري وتغيير المسارات المهنية.
بعد نزوحها إلى القاهرة مع زوجها ووالدتها وجدتها واثنين من أعمامها المسنين، وجدت نفسها تعيش واقعًا جديدًا، قائلة: "تحولت من أخصائية اجتماعية لمرافقة للمسنين في دار رعاية. في السودان كان الجيران والأقارب بيساعدونا، لكن هنا كل حاجة بثمن، والعيشة صعبة."
تسكن ملاذ في شقة صغيرة مكونة من ثلاث غرف تضم أربعة أجيال. حاولت مع زوجها السفر إلى الخليج بحثًا عن فرصة عمل، لكن حلم السفر تعطل بسبب عدم وجود جوازات لكبار السن في الأسرة.
"كنت محتاجة أطلع جوازين لأشقاء والدتي الكبار، والتكلفة كانت حوالي 16 ألف جنيه. بعد ما لقيت دعم من قريبة في الخارج واستخرجت الجوازات، حصلت سرقة وفقدت الحقيبة اللي فيها الجوازات والمستندات."
تضيف بحزنٍ ممزوج بالأمل: "ما قدرت أرجع أطلب المبلغ تاني، لكن لما سمعت بقرار التخفيض، حسّيت إن الدنيا ممكن تبتسم من جديد. القرار فعلًا بيساعد أسر كتيرة زيّنا."
أثر إنساني يتجاوز الأرقام
يرى مراقبون أن القرار لا يمكن النظر إليه من زاوية اقتصادية بحتة، بل هو رسالة سياسية وإنسانية تعبّر عن وعي الحكومة السودانية بأوضاع مواطنيها في الخارج، خاصة في مصر التي تستضيف أكبر جالية سودانية منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023.
فإلى جانب تخفيف العبء المالي، أسهم القرار في تعزيز الثقة بين الجالية والدولة، وفتح بابًا لحلول عملية في ملفات طال انتظارها، مثل تسهيل العودة الطوعية وتنظيم أوضاع الإقامة القانونية.
يقول أحد النشطاء السودانيين بالقاهرة: "القرار أعاد الروح للعلاقة بين الدولة والمغتربين. الناس كانت حاسة إنها منسية، لكن الخطوة دي خلتنا نحس إن صوتنا بيوصل."
بين الواقع والأمل
ورغم أن القرار مؤقت حتى نهاية ديسمبر، إلا أن أثره الاجتماعي العميق قد يدفع نحو تمديد الفترة أو إعادة تقييم الرسوم بشكل دائم، خاصة إذا ما أثبتت التجربة الحالية نجاحها في تسهيل الإجراءات أمام السودانيين في الخارج.
كما ترى ملاذ أبوبكر في ختام حديثها: "القرار ما بس بيخفف العبء المالي، هو بيخلينا نحس إن الحكومة لسه شايفانا ومقدّرة وضعنا. وده كفاية عشان نكمل نحاول."
0 تعليق