الإصلاح التربوي المؤجَّل: حين تتحوّل الخطة إلى واجهة سياسية

لبنان24 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
كتبت الدكتورة هبة نشابة: في لبنان، لا تموت الخطط، بل ترمى في الأدراج او تدفن في مقابر اللجان.

Advertisement

منذ ثلاثة عقود، يقيم ملفّ الإصلاح التربوي بين البيانات الوزارية والوعود الدولية من دون أن يعبر يومًا عتبة الصفوف.
أُنجزت الدراسات، ووضعت الاستراتيجيات، وتدفّقت المساعدات، لكن التعليم الرسمي لا يزال في غرفة العناية الفائقة، ينتظر إصلاحًا صار عنوانًا للترف السياسي.

خطة خمسية على الورق
في عام 2022، أطلقت وزارة التربية والتعليم العالي الخطة الاستراتيجية الوطنية للتربية 2023 – 2027 بمساعدة شركاء دوليين مثل اليونيسف واليونيسكو والبنك الدولي. وهي خطة شاملة تهدف إلى تحديث المناهج، وتطوير الحوكمة، وتحسين جودة التعليم، وإدخال التكنولوجيا في العملية التعليمية وتراعي احتياجات سوق العمل.
وقد أُنجزت مسودات المناهج الجديدة (رغم سيل الخلافات على صياغة الاطار العام لها) ضمن مقاربة الكفايات والمهارات الحياتية، لتواكب التحوّل الرقمي وسوق العمل.
لكن، بعد ثلاث سنوات من العمل، لم يُصدر أي مرسوم وزاري يُلزم باعتمادها، فيما تكتفي الوزارة بإصدار تعاميم مرحلية لتكييف المناهج القديمة مع الواقع الطارئ.
والنتيجة: إصلاح مكتمل نظريًا... معلّق عمليًا.

التمويل الدولي لا يعوض غياب القرار السياسي
الخلل في جوهره ليس تربويًا، بل سياسي بنيوي.
الوزارة تُدار بمنطق إدارة الأزمة لا بمنطق التخطيط، والمركز التربوي يعمل بكفاءة لكنه بلا غطاء قرار حكومي ملزم.
اما المنظمات الدولية والجهات المانحة فتمول وتدعم تقنيا وفق اجنداتها السياسية، من دون أن تضغط على السلطة لتنفيذ ما صرف من أجله الكثير من المال وما جف منه اليوم.
هكذا يبقى الإصلاح رهينة الحسابات والمناورات، وتبقى المدرسة اللبنانية أسيرة ماضٍ تربوي لا يشبه حاضرها.

إدارة أزمة أم سياسة تسويف؟

يبدو أن الإصلاح المؤجَّل أصبح سياسة متعمدة أكثر منه نتيجة ضعف إداري.
فكل مشروع جادّ يُهدّد بنية المحاصصة داخل المؤسسات، والإصلاح الحقيقي يعني مساءلة وتغييرًا في موازين القوى.
ولأن أحدا لا يرغب بالمحاسبة، تُفضَّل سياسة “التحضير الدائم” التي تُبقي الملف حيًّا في الشكل، من دون أي التزام تنفيذي.
هكذا، تحوّلت المدرسة اللبنانية إلى ساحة تسويات لا ساحة تعليم.

كلفة التأجيل
كل عام تأخير يعني خسارة جيل.
المدرسة الرسمية تتراجع، المعلم يهاجر، الطالب يتعلّم بمناهج اكل دهر منها وشرب، والدولة تكتفي بتقارير وبيانات دعم ذاتي.
لم تعد الأزمة أزمة تمويل، بل أزمة خيار وطني: هل نريد فعلاً بناء نظام تربوي حديث أم نكتفي بإدارته كملف إغاثي؟

من الإصلاح المؤجَّل إلى المحاسبة المؤجَّلة

لقد حان الوقت لأن يُسأل من عطّل المرسوم؟
من ترك الخطة في الأدراج رغم إنجازها بشراكة وطنية ودولية؟
ومن حوّل ملف التربية إلى مساحة تفاوض بين الوزارة والمانحين بدل أن يكون أولوية وطنية؟
الإصلاح التربوي ليس ترفًا إداريًا بل حق سيادي في صناعة المستقبل. وتغير الحكومة يجب الا يعني العودة إلى النقطة الصفر في كل الأمور التنموية ولا سيما التربوية منها، لأن الحكم استمرارية، ومن واجب الحكومة، اية حكومة، ان تستفيد من المشاريع التي اعدتها سابقتها لجهة مراجعتها والعمل على تنفيذها بدلا من رميها جانبا والعودة الى النقطة الصفر في الاعداد والبحث وغيرها من الخطوات التمهيدية (وهذا ما يحصل اليوم في اغلب الوزارات).

وعليه، لقد أُنجز الإصلاح نظريًا، لكنه أُفرغ من مضمونه سياسيًا.
ما نحتاجه اليوم ليس خطة جديدة ولا تمويلًا إضافيًا، بل قرارًا سياديًا واحدًا: أن تكون التربية فوق التسويات.
فمن دون إرادة وطنية جريئة، ستبقى المناهج الجديدة حبرًا على الورق، وسيبقى التلميذ اللبناني ضحية وطنٍ يُجيد إعداد الإصلاحات... ولا يجرؤ على تنفيذها.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق