مدينة تتحدث بلغة الغابة.. "نيودلهي" تستعين بمحاوري القرود لحماية سكانها

تحيا مصر 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تشهد العاصمة الهندية نيودلهي في الآونة الأخيرة انتشاراً واسعاً لقردة المكاك الريسوسي، التي أصبحت مشهداً مألوفاً في الشوارع والحدائق والمباني الحكومية. 

هذا التوسع غير المنضبط تسبب في حالة من الفوضى والقلق بين السكان، بعد أن سجلت عشرات الحوادث التي شملت مهاجمة المارة، وسرقة الطعام، وحتى اقتحام المكاتب والمنازل. وتُعدّ القردة من الرموز المقدسة في الثقافة الهندوسية، ما يجعل التعامل معها مسألة حساسة من الناحية الاجتماعية والدينية.

حل مبتكر لمعضلة قديمة

أمام فشل الوسائل التقليدية في الحد من انتشار القردة، لجأت السلطات في نيودلهي إلى حل غير تقليدي أطلقت عليه اسم "محاورو القرود". 

ويعتمد هذا الحل على مجموعة من الموظفين المدربين الذين يتقنون تقليد صرخات قردة اللانغور، وهي العدو الطبيعي للمكاك.

 تهدف هذه الصرخات إلى إخافة القردة وطردها من المناطق السكنية والمقرات الحكومية الحساسة دون اللجوء إلى العنف أو إيذاء الحيوانات.

كيف يعمل "محاورو القرود"؟

يحمل محاورو القرود أدوات بسيطة، مثل مكبرات صوت محمولة أو صفارات، ويجوبون الشوارع في دوريات منتظمة. 

وعندما تقترب القردة من أماكن مزدحمة أو حساسة، يطلقون أصوات اللانغور بطرق مدروسة تثير الخوف في نفوس المكاك، ما يدفعها إلى الهروب نحو مناطق أكثر هدوءاً.
ويخضع هؤلاء المحاورون لتدريب خاص على لغة الإشارات والحركات التي تساعدهم في التفاعل مع القردة وتوجيهها بعيداً عن المناطق الخطرة.

مناطق حساسة تحت الحماية

تركز الخطة الجديدة على حماية المقرات الحكومية والمواقع السياحية الكبرى، إضافة إلى الأحياء السكنية التي تتعرض لهجمات متكررة من القردة. 

وتشمل هذه المناطق مباني الوزارات، ومقر البرلمان، والقصر الرئاسي، إضافة إلى المعابد التاريخية. 

وتعمل السلطات على توسيع البرنامج تدريجياً ليشمل مزيداً من الأحياء خلال الأشهر المقبلة.

بين البيئة والدين

تؤكد الجهات المسؤولة أن الهدف من البرنامج ليس طرد القردة بشكل كامل، بل تحقيق توازن بيئي وإنساني يحمي الحيوانات ويحافظ على سلامة المواطنين. 

فالقردة جزء من التراث الطبيعي والديني للهند، لكنها في الوقت ذاته أصبحت تمثل تحدياً حضرياً متزايداً مع تراجع المساحات الخضراء وتوسع العمران.

استجابة السكان وتفاعل المجتمع

لاقى قرار الاستعانة بـ"محاوري القرود" ترحيباً واسعاً بين سكان نيودلهي الذين تعبوا من المواجهة اليومية مع القردة، خاصة في المناطق المكتظة والأسواق الشعبية. 

وأشاد كثيرون بذكاء الفكرة التي توازن بين الحفاظ على حقوق الحيوان وحماية الناس من الأذى، بينما دعا آخرون إلى إجراءات مكمّلة تشمل تحسين إدارة النفايات وتقليص مصادر الطعام التي تجذب القردة داخل المدينة.
في المقابل، يرى بعض الخبراء في سلوك الحيوانات مؤشراً على اختلال بيئي سببه تقلّص الغابات وتزايد البناء العمراني الذي دفع القردة إلى البحث عن مأوى وغذاء داخل التجمعات البشرية.

 لذلك، يؤكد المختصون أن الحل الحقيقي يتطلب خطة طويلة الأمد لإعادة التوازن البيئي، وليس الاعتماد فقط على حلول مؤقتة.
ورغم الجدل، يبدو أن تجربة "محاوري القرود" تسير بنجاح حتى الآن، إذ ساعدت بالفعل في تقليص عدد الحوادث وتهدئة الأوضاع في بعض الأحياء، لتتحول إلى نموذج فريد من التعايش بين الإنسان والطبيعة في واحدة من أكثر مدن العالم ازدحاماً وتنوعاً.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق