قال المفكر الأمريكي ستيفن إم. والت، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد، إن الهدوء الراهن في غزة «مجرد هدنة مؤقتة» لن تكتب لها الاستمرارية ما لم تُنهِ الولايات المتحدة علاقتها الخاصة مع إسرائيل، مشيرًا إلى أن ما يسميه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بـ«فجر الشرق الأوسط الجديد» ليس إلا حلقة جديدة في سلسلة تفاهمات هشة سرعان ما تتهاوى.
وأوضح والت في مقاله المنشور بمجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، تحت عنوان «السلام في غزة لن يدوم»، أن وقف إطلاق النار الذي تم برعاية أمريكية لا يمثل اتفاق سلام حقيقي، بل هو «إملاء» فرضته واشنطن عبر فريق وساطة «منحاز بالكامل لإسرائيل»، في إشارة إلى جاريد كوشنر وستيف ويتكوف.
صفقة بلا مضمون
وأضاف أن الخطة الجديدة التي تفاخر بها ترامب «لم تُعالج جوهر القضية»، إذ تجاهلت تمامًا مصير الأراضي المحتلة في الضفة الغربية، وأجّلت القضايا السياسية الأساسية إلى أجل غير مسمى، معتبرًا أن ذلك «يمنح إسرائيل الفرصة لتجديد العنف متى شاءت بحجة عدم التزام الفلسطينيين».
وأشار والت إلى أن الرئيس الأمريكي استخدم نفوذه لإجبار رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على قبول هذا الاتفاق المحدود، وهو ما يُظهر – بحسب قوله – «القدرة الهائلة التي تملكها الولايات المتحدة إذا أرادت الضغط على إسرائيل». لكنه تساءل: هل ستمتلك واشنطن الإرادة لممارسة هذا الضغط بشكل مستدام؟
وقال والت إن المشكلة الحقيقية تكمن في أن المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، «لم يُبدِ يومًا استعدادًا لاستثمار الجهد والوقت والضغط السياسي اللازم» لفرض تسوية عادلة، مستشهدًا بفشل اتفاقات أوسلو، وقمة كامب ديفيد 2000، ومؤتمر أنابوليس 2007، وما تلاها من مبادرات لم تحقق شيئًا.
تحول في المزاج العالمي
وفي محور آخر، أوضح والت أن صورة إسرائيل تضررت بشدة خلال العامين الأخيرين، إذ أصبحت سياساتها محل انتقاد واسع في أوروبا وأمريكا الشمالية، حيث اعترفت دول مثل فرنسا وبريطانيا وكندا وأستراليا رسميًا بدولة فلسطين، في إشارة إلى تغير المزاج الدولي.
وأضاف أن استطلاعات الرأي داخل الولايات المتحدة نفسها تُظهر تحولًا لافتًا في المواقف، إذ أصبح عدد الأمريكيين الذين يتعاطفون مع الفلسطينيين أكبر من أولئك الذين يتعاطفون مع إسرائيل، فيما يرى 41% من المستطلعة آراؤهم أن ما تقوم به تل أبيب في غزة «يرقى إلى جريمة إبادة»، مقابل 22% فقط يرون أن أفعالها مبررة.
وأشار الكاتب إلى أن الدعم لإسرائيل تراجع بشدة داخل الحزب الديمقراطي والمستقلين، وحتى بعض رموز اليمين المحافظ بدأوا ينتقدون العلاقة الخاصة بين واشنطن وتل أبيب، معتبرين أن «الولاء الأعمى لإسرائيل يتناقض مع مبدأ أمريكا أولًا».
عبء على واشنطن
وأكد ستيفن والت أن إسرائيل «أصبحت المستفيد الأكبر من المساعدات العسكرية الأمريكية» رغم كونها من أكثر دول العالم ثراءً، إذ تحصل سنويًا على نحو 4 مليارات دولار في الظروف العادية، وارتفع المبلغ إلى 22 مليارًا خلال الحرب الأخيرة على غزة. واعتبر أن هذا الدعم غير المشروط «جعل الولايات المتحدة مكروهة في العالم العربي، ونسف صورتها كمدافع عن حقوق الإنسان».
وأضاف أن العلاقة الخاصة جعلت إسرائيل «تستهلك قدرًا غير متناسب من اهتمام الساسة الأمريكيين والإعلام»، في حين تُهمَل قضايا دول أكبر وأكثر أهمية استراتيجية، مثل الهند أو نيجيريا أو البرازيل.
وختم والت مقاله بالتأكيد أن إنهاء هذه العلاقة الخاصة هو الشرط الحقيقي لأي سلام دائم، معتبرًا أن «الدعم الأمريكي المطلق كان وبالًا على الطرفين»، إذ شجّع إسرائيل على التطرف والعزلة، وأضعف مكانة واشنطن الأخلاقية والسياسية في العالم.
0 تعليق