محمود ياسين.. فارس الشاشة الذي صاغ ملامح البطولة المصرية

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

لم يكن محمود ياسين مجرد ممثل عابر في تاريخ السينما المصرية، بل كان رمزًا لجيل كامل آمن بقيمة الفن ودوره في تشكيل الوعي الوطني، بصوته الرخيم، وملامحه الهادئة المفعمة بالوقار، استطاع أن يصوغ صورة البطل المصري النبيل، ويمنح الشاشة العربية وجهًا يعبر عن الرجولة والوطنية والرقي في آن واحد.

86428541f2.jpg

البدايات والنشأة

ولد محمود ياسين في بورسعيد عام 1941، وعاش طفولته في زمن كانت فيه المدينة رمزًا للمقاومة والكرامة، تركت نشأته على ضفاف القناة أثرًا عميقًا في وعيه، فحلم أن يكون جزءًا من تاريخ مصر الكبير، لكن القدر اختار له طريق الفن ليعبر من خلاله عن انتمائه وحبه للوطن.

تخرج في كلية الحقوق بجامعة القاهرة، لكنه رفض أن يسلك طريق المحاماة، واتجه إلى المسرح القومي، حيث صقل موهبته ولفت الأنظار إليه في أعمال كلاسيكية مهمة مثل “ليلى والمجنون” و“الزير سالم”.

251.webp

فارس السينما في زمن البطولة

في سبعينيات القرن العشرين، لمع نجم محمود ياسين كواحد من أهم نجوم السينما المصرية، فقد جاء في لحظة كانت البلاد بحاجة إلى وجوه تحمل روح النصر بعد حرب أكتوبر 1973، فكان وجهه هو صورة البطل المقاتل والعاشق الشريف والمثقف الحالم بمستقبل أفضل.

من أشهر أفلامه في تلك المرحلة: “الرصاصة لا تزال في جيبي”، “الوفاء العظيم”، “العمر لحظة”، و“حائط البطولات”، وكلها جسدت روح الجندي المصري الذي يحمل الوطن في قلبه قبل سلاحه.

لكن ياسين لم يكن أسيرًا لدور البطل الوطني فقط، فقد تنقل ببراعة بين الشخصيات الرومانسية والإنسانية، كما في “الخيط الرفيع” أمام فاتن حمامة، و“على ورق سيلوفان”، و“حب وكبرياء”، حيث جمع بين وسامة الوجدان ونضج الأداء، وفرض احترامه كممثل متكامل يجمع بين الذكاء الفني والصدق العاطفي.

252.jpg

صوت مصر في الدراما

لم يقتصر حضوره على السينما، فقد كان محمود ياسين أحد أعمدة الدراما التلفزيونية المصرية، وشارك في أعمال أصبحت علامات خالدة مثل “أبو حنيفة النعمان”، “غدًا تتفتح الزهور”، “سوق العصر”، و*“الدوامة”*.

كما امتلك صوتًا من أجمل ما عرفته الشاشة، استخدمه في التعليق الصوتي والأداء الشعري، حتى صار صوته مرادفًا للهيبة والصدق والدفء، خاصة في الأعمال الوطنية والتاريخية التي تناولت أمجاد مصر.

253.jpg

الإنسان قبل الفنان

عرف محمود ياسين برقي أخلاقه وتواضعه، وكان محبًا لأسرته وزوجته الفنانة شهيرة التي شاركته بعض الأعمال، ووقفا معًا مثالًا للعلاقة الإنسانية الناضجة في الوسط الفني، أحب الفن بإخلاص، وظل حتى آخر أيامه مؤمنًا بأن الفنان الحقيقي هو من يترك أثرًا لا يمحى في وجدان الناس.

254.webp

رحل محمود ياسين في 14 أكتوبر 2020 بعد مسيرة امتدت لأكثر من خمسين عامًا في المسرح والسينما والتلفزيون، تاركًا إرثًا فنيًا هائلًا يضم أكثر من 150 عملًا متنوعًا.

نعاه الوسط الفني والجمهور العربي بكلمات مؤثرة، لم يكن مجرد ممثل يؤدي أدوارًا، بل كان ضميرًا حيًا يعبر عن ملامح مصر، ويجسد بطولتها وإنسانيتها في كل زمن.

رحل الفارس، لكن صوته وصورته سيبقيان شاهدين على زمن كانت فيه السينما تصنع البطولة، وكان محمود ياسين أحد أهم صانعيها.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق