في شهادتها حول حرب أكتوبر، ترى الكاتبة والروائية هناء متولي أن النصر لم يكن مجرد واقعة عسكرية في تاريخ مصر الحديث، بل تجربة إنسانية وثقافية ممتدة، تشكّل وعي الأجيال وتعيد طرح الأسئلة حول الهوية والمعنى. تقول متولي إن أكتوبر لا يُقرأ فقط في ضوء عبور الجيش قناة السويس، بل في ضوء عبور المجتمع نفسه من الهزيمة إلى الفعل، ومن الانكسار إلى الإيمان بالقدرة.
فيما يلي، نتعرّف على حرب أكتوبر بعيون أجيال جديدة لم تشهدها، تحدثنا عنها الكاتبة الروائية هناء متولي.
قالت الكاتبة والروائية هناء متولي:
ليست حرب أكتوبر حدثًا عسكريًا فحسب، بل نصًّا مفتوحًا تتناوب الأجيال على تأويله. فكل جيل يراها بطريقته: الآباء رأوا فيها معجزة الخلاص من الهزيمة، والأبناء شاهدوها في الأغاني والأفلام كملحمة جماعية، أما الجيل الجديد فيقرأها بوصفها سؤالًا عن المعنى: ماذا يعني الانتصار بعد نصف قرن من التحولات؟
أولًا: الهوية والذاكرة الجماعية
أشارت متولي إلى أن النصر أعاد تشكيل وعي المصري بنفسه. فبعد أن عاش زمن الانكسار، استعاد في لحظة العبور صورة “الفاعل” لا “المغلوب”. تشكّلت هوية وطنية جديدة تقوم على فكرة القدرة، والجدارة، والفعل الجماعي. لم يكن النصر استرداد أرض فقط، بل استرداد وعي. تلك الذاكرة الجماعية تحوّلت إلى وجدان يومي يتناقلها الناس بالقصص، والأنشودة، والصورة المعلّقة في البيوت.
ثانيًا: الثقافة والفن
وترى متولي أن أكتوبر تحوّل إلى مشهد ثقافي شامل: الأغاني تحرّض على الصمود، السينما توثّق البطولة، والشعر يحفر في المعنى الإنساني للنصر. البطلة لم تعد الجندي فقط، بل الأم التي ودّعت، والزوجة التي انتظرت، والمدينة التي ظلّت تنبض تحت الخطر. جعل الفن النصر تجربة وجدانية مستمرة، تخرج من الميدان إلى الحياة اليومية.
ثالثًا: القراءة النقدية المعاصرة
أكدت متولي أنه بعد مرور خمسين عامًا، يصبح السؤال أكثر إلحاحًا: كيف نقرأ أكتوبر خارج الخطاب الرسمي؟ الأجيال الجديدة تتعامل مع النصر بوصفه ذاكرة حية تحتاج مراجعة لا تقديسًا. في زمن تتعدد فيه الهزائم الرمزية، يبدو أكتوبر فعل مقاومة مستمرًا — ضد النسيان وضد تراجع الإيمان بقدرة الإنسان على التغيير.
الانتصار اليوم قد يكون في الفكرة، في الصمود الثقافي، في رفض الاستسلام للركود.
رابعًا: النسوية في الذاكرة الوطنية
وأوضحت متولي أن المرأة لم تكن مجرد شاهدة على الحرب، بل كانت فاعلة في قلبها. صنعت الأمهات خلف الجبهة جبهة أخرى: جبهة الصبر والتماسك. المرأة في سردية أكتوبر ليست تابعة بل شريكة في الفعل التاريخي. من تمريض المصابين إلى إدارة البيوت المنكوبة، ومن الكتابة إلى الغناء، أسهمت في ترميم المعنى نفسه.
وفي قراءة نسوية معاصرة، يمكن القول إن أكتوبر فتح الباب لتجديد صورة المرأة في الوجدان الوطني: من رمز للتضحية إلى رمز للقدرة على الخلق من الألم.
خامسًا: الذاكرة الشعبية
أشارت متولي إلى أن الحكاية لم تُروَ فقط في بيانات النصر، بل في المقاهي، وفي “الموال” الشعبي، وعلى لسان الجدّات. الحارة المصرية صنعت سرديتها الخاصة، فيها الخرافة تمتزج بالبطولة، والواقعي يذوب في الأسطوري. ذاكرة الناس البسطاء حول أكتوبر تشبه حكايات الموالد: فيها الإيمان بالمعجزة والتمجيد للجماعة. هذه الذاكرة الشعبية هي التي حفظت حرارة الحدث، حين بردت اللغة الرسمية.
وختمت متولي: أكتوبر إذًا ليس صفحة من الماضي، بل كائن حيّ يعيش في وعينا، يتغير معنا. إنه لحظة استعادة إنسانية بامتياز: استعادة القدرة على الحلم، على المقاومة، على أن نروي أنفسنا كما نريد.










0 تعليق