زحمة الميلاد لم تعد مجرّد مشهد موسمي، بل باتت ظاهرة اجتماعية تتكرّر بإصرار، تطرح سؤالاً بسيطاً ومعقّداً في آن: لماذا ينتظر الناس حتى اللحظة الأخيرة لإنهاء أمورهم العالقة؟
يعود جزء من هذه الظاهرة إلى الطابع النفسي المرتبط بالعيد نفسه.
فالميلاد بالنسبة لكثيرين هو لحظة "إقفال السنة"، ومحطة عاطفية تدفع الناس إلى الرغبة في إنهاء الأمور المؤجَّلة قبل بداية جديدة.
من جهة أخرى، يلعب الواقع الاقتصادي دوراً أساسياً في تكريس هذا السلوك.
في ظل الأزمات المتراكمة، اعتاد اللبنانيون تأجيل القرارات والإنفاق قدر الإمكان، بانتظار فرصة أفضل أو دخل إضافي.
ومع اقتراب العيد، تسقط حجج التأجيل أمام ضغط العادات الاجتماعية وتوقّعات العائلة، فيندفع الناس إلى الأسواق دفعة واحدة، ما يضاعف الازدحام ويحوّل الأيام القليلة التي تسبق الميلاد إلى سباق مع الوقت.
ولا يمكن فصل زحمة الميلاد عن نمط الحياة اليومية في لبنان، حيث تسود ثقافة "اللحظة الأخيرة".
الازدحام المروري المزمن، عدم انتظام المواعيد، والتكيّف الدائم مع الطوارئ، كلّها عوامل تجعل التخطيط المسبق أمراً صعباً أو غير مغرٍ. كثيرون يفضّلون التأجيل لأنهم اعتادوا على إدارة الأمور تحت الضغط، وربما لأن الازدحام هو جزء لا يتجزأ من فرحة العيد.
رغم ذلك، تحمل هذه الزحمة وجهاً آخر أقل قتامة. فهي تعكس، ولو بشكل متعب، حيوية المجتمع وتمسّكه بطقوس الفرح. فالاكتظاظ في الشوارع والأسواق هو أيضاً دليل على رغبة جماعية في الاحتفال، في خلق لحظة طبيعية وسط واقع غير طبيعي.
في النهاية، زحمة عيد الميلاد في لبنان ليست مجرد نتيجة سوء تنظيم أو تأجيل مزمن، بل مرآة لنفسية جماعية تعيش بين القلق والأمل.
وبين ازدحام الطرقات وضيق الوقت، يبقى الميلاد لحظة تختصر تناقضات اللبنانيين: تعبٌ لا ينتهي، ورغبة عنيدة في الفرح.














0 تعليق