فرحة العودة: حين يجمع عيد الميلاد المغتربين بوطنهم

لبنان24 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

عشية عيد الميلاد، يستعيد لبنان واحدًا من أجمل مشاهده: عودة المغتربين إلى الوطن. هذه العودة لا تشبه أي رحلة أخرى، فهي عودة إلى البيوت التي تنتظر أصحابها بلهفة لا تخفّفها المسافات ولا السنوات.

 

تحمل المطارات والطرق المؤدية إلى القرى والمدن في هذه الفترة ملامح فرح خاص. حقائب مثقلة بالهدايا، ووجوه متعبة من السفر لكنها مضيئة بالشوق، وقلوب تسبق الأقدام نحو الأهل والأحباب. في لحظة اللقاء، تتلاشى قسوة الغربة، وتصبح السنوات التي مرّت خارج الوطن مجرد تفصيل أمام عناق طويل أو دمعة فرح مؤجلة.

 

عيد الميلاد في لبنان يكتسب نكهة مختلفة بوجود المغتربين. تكتمل موائد العائلة التي كانت تنقصها كراسٍ فارغة، وتعود الضحكات إلى البيوت القديمة، وتُروى الحكايات نفسها من جديد، كأن الزمن توقف عند آخر زيارة. الجدّات يستعدن نشاطهن، والأمهات يعدن أطباقًا لا تُطهى إلا “عندما يجتمع الكل”، فيما ينتظر الأطفال أقارب لم يعرفوهم إلا عبر الشاشات.

 

ولا تقتصر فرحة العودة على العائلة فقط، بل تمتد إلى الشارع والحيّ والقرية. المقاهي تمتلئ، والأسواق تنتعش، والقرى التي خفّ صخبها طوال العام تستعيد حيويتها. تتحول الساحات إلى مساحات لقاء، وتُسمع لهجات مختلطة تحمل أثر الغربة، لكنها تبقى لبنانية في نبرتها وحنينها. وكأن المغتربين، بعودتهم المؤقتة، يعيدون ضخ الحياة في شرايين الوطن.

 

في بلد أثقلته الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، تشكّل عودة المغتربين خلال الأعياد رسالة أمل. فهي تذكير بأن لبنان، رغم كل ما يمرّ به، ما زال قادرًا على جمع أبنائه، وأن الرابط بينه وبينهم لم ينقطع. المغترب الذي غادر بحثًا عن فرصة أو استقرار، يعود ليؤكد أن الانتماء لا يُقاس بالإقامة، بل بالمحبة والذاكرة والوفاء.

 

عيد الميلاد، بعودة المغتربين، يصبح أكثر من مناسبة دينية، يتحول إلى عيد للّقاء، وللمّ الشمل، وتجديد العهد مع الوطن. هي فرحة قصيرة في الزمن، لكنها عميقة الأثر، تترك خلفها دفئًا يكفي القلوب حتى موعد عودة جديد، ووعدًا صامتًا بأن لبنان، مهما ابتعد أبناؤه، يبقى البيت الأول والأخير.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق