أعرب عدد من الكتاب والناشطين السوريين عن قلقهم البالغ تجاه تدهور الوضع الأمنى فى سوريا، فى ظل استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضى السورية، وعودة العمليات الإرهابية التى ينفذها تنظيم «داعش» وغيره من الجماعات المسلحة الأخرى، واصفين الوضع بأنه «فوضى مفتوحة»، فى ظل الغياب الكامل للرقابة الأمنية.
وأشار السياسيون والناشطون السوريون، خلال حديثهم لـ«الدستور»، إلى أن الفراغ الأمنى وانقسام القوى المحلية والإقليمية أسهما فى انتشار الإرهاب وزيادة المخاطر على المدنيين، مؤكدين أن الحل يكمن فى استعادة الدولة سيطرتها، وضمان تطبيق القانون، مع توسع التنسيق الإقليمى للتصدى للتنظيمات الإرهابية التى تستخدم كمبرر لاستمرار الوجود العسكرى الأجنبى فى سوريا.
انفلات أمنى وعودة نشاط أخطر الجماعات المتطرفة.. والسلطة عاجزة عن فرض سيطرتها
قال محمود الأفندى، أستاذ العلوم السياسية والباحث السياسى السورى، إن ما تشهده الساحة السورية حاليًا من انفلات أمنى وعودة نشاط الجماعات المتطرفة، وفى مقدمتها تنظيم «داعش»، نتيجة طبيعية ومباشرة للتدخلات الخارجية التى رافقت الصراع منذ بداياته، مشيرًا إلى أن إسقاط أى نظام، حتى لو كان ديكتاتوريًا أو دمويًا، عبر أدوات خارجية ودعم فصائل مسلحة يؤدى حتمًا إلى تفريخ الإرهاب وزعزعة الاستقرار الإقليمى.
وأوضح «الأفندى» أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أمر، فى عام ٢٠١٧، بإغلاق ما عُرف بـ«الغرف العسكرية»، التى كانت تدير وتنسق عمل الفصائل المسلحة المعارضة فى سوريا، مثل غرف «الموك» و«الموم» و«البوم»، والتى كانت منتشرة فى أنقرة وعمّان، وتعمل تحت إشراف أجهزة استخباراتية أمريكية وإسرائيلية.
ولفت إلى أن ترامب وصف هذه الغرف آنذاك بأنها «جامعات لتخريج الإرهاب فى الشرق الأوسط»، معتبرًا أن نتائج هذا الدعم ظهرت بوضوح لاحقًا.
وقال: «خفض التصعيد فى الجنوب السورى جاء نتيجة إغلاق غرفة العمليات فى عمّان، فيما جاء خفض التصعيد فى الشمال نتيجة إغلاق الغرف الموجودة فى أنقرة، ما يؤكد أن العامل الخارجى كان المحرّك الأساسى لمسار الصراع، وليس إرادة داخلية سورية خالصة».
وأشار «الأفندى» إلى أن سقوط النظام السورى السابق أدى إلى انهيار كامل للهرم الأمنى، وإغلاق الفروع الأمنية، ما خلق فراغًا أمنيًا واسعًا سمح لـ«الخلايا النائمة»، خاصة خلايا «داعش»، التى لم تُهزم بشكل كامل، بإعادة تنظيم صفوفها واستئناف نشاطها بسهولة، فى ظل غياب الرقابة وضعف قدرة السلطة الجديدة على فرض سيطرتها الأمنية.
وأكد أن الضربات الجوية الإسرائيلية المتكررة، التى تستهدف مخازن سلاح وقواعد عسكرية سورية، تسهم بشكل مباشر فى إضعاف السلطة القائمة ومنعها من بسط الأمن والاستقرار، معتبرًا أن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو يعمل على تحويل سوريا إلى «بيئة حاضنة للإرهاب»، وليس «جامعة واحدة»، كما قال ترامب سابقًا، بل شبكة مفتوحة من بؤر التطرف.
ورأى «الأفندى» أن الهدف الإسرائيلى يتمثل فى إبقاء سوريا دولة مفككة، تقوم على فراغ أمنى، تُقسّم إلى مناطق آمنة وأخرى خطرة، بما يبرر التدخل الخارجى المستمر، ويمنح الولايات المتحدة ذريعة البقاء العسكرى تحت شعار «الحرب على الإرهاب».
وربط ذلك بما وصفه بـ«الحلم الإسرائيلى القديم»، المتمثل فى إنشاء ممر برى يمتد من إسرائيل عبر جنوب سوريا إلى العراق وبلاد الرافدين، ما يتطلب وجودًا أمريكيًا دائمًا فى شمال شرقى سوريا.
وتابع: «وجود الولايات المتحدة فى سوريا مرتبط بشكل وثيق باستمرار خطر الإرهاب، وواشنطن صرحت مرارًا بأن وجودها العسكرى مبرر بمحاربة (داعش)، وتعقيدات المشهد تتفاقم بسبب الطبيعة الأيديولوجية للسلطة الحالية فى سوريا، التى تعود جذورها إلى (جبهة النصرة)، أو (هيئة تحرير الشام)، المصنفة سابقًا كتنظيم إرهابى، ما يفتح الباب أمام اختراقات تنظيم (داعش) داخل بنية السلطة نفسها».
وحذّر من أن الوضع فى سوريا بات خطيرًا ومقلقًا للدول المجاورة، مشيرًا إلى مشاركة الأردن مؤخرًا فى عمليات عسكرية، فى مؤشر على اتساع دائرة التهديد.
وطرح «الأفندى» تساؤلًا جوهريًا مفاده: «هل تستطيع الحكومة السورية الجديدة بسط سيطرتها الكاملة فى ظل الوجود الأمريكى والاختراق الإسرائيلى المستمر؟».
وأجاب عن ذلك بالقول: «ما يحدث اليوم كان متوقعًا منذ سقوط النظام السابق، والرئيس السابق بشار الأسد يتحمل مسئولية أساسية فى تدمير سوريا، بسبب عناده ورفضه تطبيق القرارات الدولية والدخول فى مسار سياسى حقيقى».
وواصل: «نماذج سوريا واليمن والعراق وليبيا أصبحت بيئات خصبة لانتشار الإرهاب»، محذرًا من أن سوريا، بحكم موقعها الجغرافى، قد تتحول إلى بوابة لانتقال الإرهاب إلى أوروبا، فى ظل وجود خلايا نائمة وعناصر متطرفة بين بعض اللاجئين.
واختتم «الأفندى» حديثه بالتأكيد أن المنطقة بأكملها تقف اليوم «على صفيح ساخن»، فى ظل غياب الأمن واستمرار الصراعات، داعيًا إلى حلول سياسية حقيقية، تقوم على الحوار وتطبيق القرارات الأممية، بدلًا من إدارة الأزمات عبر الفوضى والسلاح.
الاحتلال يعزز السيطرة على مناطق استراتيجية
أكد الكاتب السياسى السورى غسان يوسف أن تنظيم «داعش»، الذى تم الإعلان عن القضاء عليه فى عام ٢٠١٩، يعيد حاليًا انتشاره فى مناطق عدة من سوريا والعراق، معتمدًا على تكتيكات متنوعة، من بينها «الذئاب المنفردة» و«الخلايا النائمة»، مع المراقبة المستمرة لما يجرى داخل الأراضى السورية. وأوضح «يوسف» أن العمليات الإرهابية للتنظيم لن تتوقف، سواءً فى مناطق سيطرة الدولة أو فى المناطق الخاضعة لـ«قوات سوريا الديمقراطية»، معتبرًا أن «داعش» لا يزال يمثل تهديدًا قائمًا ومستمرًا.
وعن الاعتداءات الإسرائيلية، قال: «إسرائيل منذ سقوط النظام السورى السابق استخدمت ذريعة محاربة إيران وحزب الله لتبرير مئات الضربات الجوية والتوغلات داخل الأراضى السورية، والهدف الأساسى خلق فراغ أمنى، يتيح لها التحكم فى مناطق استراتيجية، بما فى ذلك مناطق الدروز فى الجنوب السورى». وأشار إلى أن غياب أى اتفاقات أمنية إقليمية ودولية مشتركة لمواجهة الإرهاب أو الاعتداءات الإسرائيلية أدى إلى تفاقم الفراغ الأمنى فى سوريا، ما أسهم فى انتشار التنظيمات الإرهابية، وزيادة تجارة المخدرات، وأنشطة التهريب، وأعمال العنف غير القانونية على طول الحدود.
وأكمل: «الحل يكمن فى إبرام اتفاقيات أمنية بين الدول الإقليمية لتحديد الأعداء والمنظمات الإرهابية، ووضع استراتيجيات مشتركة لضمان الأمن والاستقرار»، مؤكّدًا أن غياب التنسيق يترك المنطقة فى حالة هشاشة مستمرة ويهدد استقرار دول الجوار.
المواطنون يعيشون فى حالة خوف دائمة
قال المواطن السورى أحمد الخالدى، إن العمليات الإرهابية المستمرة لتنظيم داعش، إلى جانب الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضى السورية، أسهمت بشكل مباشر فى تفاقم حالة الانفلات الأمنى والفوضى داخل سوريا. وأضاف «الخالدى» أن الوضع أصبح مأساويًا، والدولة غير قادرة على فرض أى شكل من أشكال الأمن، والمواطنون يعيشون فى خوف دائم من الإرهاب والاعتداءات الخارجية.
وعبر عن استيائه وغضبه من استمرار غياب منظومة حماية الدولة وقدرتها على حماية المدنيين، مشيرًا إلى أن الفراغ الأمنى والفوضى المفتوحة يسمحان للإرهابيين والمعتدين بالتحرك بحرية، ما يزيد من معاناة الشعب السورى ويهدد استقراره اليومى.
تمدد التنظيمات الإرهابية داخل الجيش وقوات الأمن الجديدة
رأى الباحث السياسى السورى طارق الأحمد أن استمرار الفراغ الأمنى والفوضى فى سوريا مرتبط بشكل مباشر بـالأخطاء الاستراتيجية المتكررة للإدارة الأمريكية والتحالف الدولى والدول العربية فى قراءة الواقع السورى، رغم إعلان الولايات المتحدة أكثر من مرة نهاية تنظيم داعش.
وأوضح «الأحمد» أن هذا التناقض بين التصريحات والواقع الميدانى مفتاح لفهم الأزمة الحالية، حيث أصبحت المنطقة بأكملها معرضة للانفجار فى أى وقت نتيجة هذه السياسات الخاطئة.
وأشار إلى أن العمليات الأخيرة، بما فيها التفجيرات فى الكنائس واعتداءات على المدنيين فى حمص وزيدل، تشير إلى تغلغل عناصر داعش داخل الجيش والأمن السورى الحالى، ما يعكس تخبطًا أمنيًا حادًا وغياب السيطرة الحقيقية.
وتابع أن المعلومات التى تُضخ على الإعلام غالبًا ما لا تطابق الواقع، معتبرًا أن كل هذا يأتى نتيجة غياب الحل السياسى ودور الدول الغربية والعربية فى فرض نظام ديمقراطى واستقرار فعلى فى سوريا بعد سقوط النظام السابق.
وأوضح «الأحمد» أن هذا التخبط الأمنى وغياب السلطة الحقيقية سمحا بتوسع الاعتداءات الإسرائيلية وتدخلات القوى الإقليمية، مشيرًا إلى أن الصراع الحالى فى سوريا أصبح فى جزء كبير بين إسرائيل وتركيا على الأراضى السورية، بينما يبقى الشعب السورى ضحية الفراغ الأمنى. وأضاف أن غياب الحل السياسى يؤدى إلى تمدد التنظيمات الإرهابية داخل الجيش والأمن، ما يهدد ليس سوريا فقط، بل المنطقة العربية بأكملها بخطر تصعيد واسع وحرب شاملة محتملة.
التدخلات الإقليمية والدولية تزيد التعقيد
أكد المواطن السورى سامى الحسن أن الوضع الأمنى فى سوريا أصبح حرجًا وخارج السيطرة، نتيجة تزامن عدة عوامل أبرزها الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على الأراضى السورية والعمليات الإرهابية التى ينفذها تنظيم داعش والجماعات المتطرفة الأخرى.
وقال «الحسن» إن هذه العوامل أدت إلى تفاقم الفراغ الأمنى وغياب قدرة الدولة على حماية المدنيين أو فرض سيطرتها على مختلف المناطق السورية، ما خلق بيئة مثالية لعودة الإرهاب وانتشاره بشكل واسع.
وأشار إلى أن الاعتداءات الجوية الإسرائيلية المتكررة والتوغلات المستمرة تضعف قدرات الجيش السورى، وتحد من قدرة الدولة على بسط الأمن والاستقرار، مضيفًا أن العمليات الإرهابية الأخيرة، سواءً فى المدن أو القرى، أظهرت مدى اختراق التنظيمات المسلحة للجيش والأمن، واستغلالها للفراغ الأمنى القائم.
ولفت إلى أن هذا الواقع أدى إلى تصاعد الغضب الشعبى بين المواطنين السوريين، الذين يشعرون بالعجز أمام استمرار الهجمات والإرهاب، معربًا عن قلقه من أن استمرار هذا الوضع قد يفاقم الانقسامات المجتمعية ويزيد من حدة النزاعات الداخلية.
وأكد أن التدخلات الإقليمية والدولية، بدلًا من تقديم حلول، أضافت طبقة جديدة من التعقيد إلى س السورية، وأبقت الدولة تحت ضغط دائم من الاعتداءات والأعمال الإرهابية.
وختم تصريحه بالتأكيد أن الحل يتطلب استعادة الدولة قدرتها على فرض الأمن، وتطوير استراتيجيات فعّالة لمكافحة الإرهاب، وضمان تعاون عربى ودولى حقيقى لدعم الاستقرار وحمايتنا كمدنيين.














0 تعليق