الإتزان الإستراتيجى

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الإثنين 22/ديسمبر/2025 - 10:32 ص 12/22/2025 10:32:13 AM

إستخدم السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى مصطلح "سياسة الإتزان الإستراتيجى" خلال إحتفالية إفطار الأسرة المصرية خلال شهر رمضان الماضى ليوضح أسلوب تعامل الدولة المصرية وتحركها سواء فى الداخل أو الخارج أمام الأزمات والقضايا والتهديدات التى تتعرض لها دون إندفاع أو تهاون....وهذا ما يفسر لنا ما قامت به الدولة من رسم خطوط حمراء تجاه بعض القضايا التى تهدد أمنها القومى بصفة عامة وهو ما حدث مع ليبيا وأثيوبيا وغزة وأخيرًا السودان.... بل أن الدولة تعاملت بنفس السياسة مع التهديدات الداخلية أيضًا وذلك عندما إستشعرت خطورة إستمرار نظام حكم جماعة الإخوان المسلمين التى كانت تقوم على التفرقة والإقصاء بين أبناء الوطن الواحد والعمل على تمكين الجماعة من السيطرة على مفاصل الدولة والسماح للتنظيمات الإرهابية من التواجد فى شمال سيناء والعريش بكامل أسلحتهم ومعداتهم وذلك لمساعدة الجماعة فى تحقيق التمكين وتجاهل مبدأ المشاركة لا المغالبة ثم التحول إلى العنف المسلح داخل البلاد وتصاعد وتيرة العمليات الإرهابية داخل المدن المصرية...وعند هذه المرحلة ساندت القوات المسلحة شعبها فى ثورة يونيو 2013 لإسقاط نظام الإخوان بعد أن إكتشفت النوايا الحقيقية لتلك الجماعة فوضعت خطًا أحمر حول تمددها وتشعبها وتم إعادة الأمور إلى نصابها الطبيعى فى قيام دولة تقوم على الحق فى المواطنة والمشاركة بالإضافة إلى القضاء على الإرهاب وإعادة الأمن والإستقرار إلى ربوع البلاد والحقيقة أن الدولة وشعبها وجيشها لم يقوموا بذلك إلا بعد إعطاء الجماعة الإرهابية الفرصة كاملة لإثبات حسن نواياهم خلال الفترة من يناير 2011 حتى يونيو 2013 وذلك فى إطار الإلتزام بمبدأ الإتزان وعدم التسرع فى الحكم على أسلوب إدارتهم للبلاد.
وفى عام 2021 أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسى بأن تقدم تركيا نحو مدينة سرت والجفرة فى ليبيا يمثل "خط أحمر" وذلك لإتخاذ القوات التركية قرارات توسعية للسيطرة على كامل الأراضى الليبية بعد أن تمكنت بالتنسيق مع الحكومة الليبية المؤقتة فى طرابلس لتحقيق ذلك ثم حاولت التوجه شرقًا وهو الأمر الذى جعل اللواء خليفه حفتر الذى تسيطر قواته على مدينة بنغازى إلى اللجوء لمصر لحماية باقى الأراضى الليبية خاصة مع بدء إقترابها من الحدود المصرية وهو الأمر الذى دفع مصر للإعلان عن أن أى تقدم أو إقتراب لأى قوات أجنبية متواجدة فى ليبيا من الناحية الشرقية المتآخمة للحدود المصرية هو "خط أحمر" سوف تواجهه الدولة المصرية بكل قوة وحزم.
ومع الدولة الأثيوبية إستمرت المفاوضات واللجوء إلى كافة الوسائل السلمية والوساطات الدولية لمدة لا تقل عن عشر سنوات كى لا يؤثر بناء السد الأثيوبى على الحصة المائية التى ترد إلى مصر سنويًا وإعتبار ذلك مسألة وجود وحياة ومع ذلك فقد رفضته أثيوبيا بكل تعنت وغرور وهو الأمر الذى أعلن الرئيس أن مياه النيل "خط أحمر" لأنه يتعلق بحقوق مصر التاريخية وأن ذلك يمثل خطرًا كبيرًا على حياة الشعب المصرى وهنا أيضًا نشير إلى مصداقية السيد الرئيس الذى راعى كافة أساليب الإتزان الإستراتيجى قبل أن يهدد بالتصدى لمواقف الدولة الأثيوبية بكافة الأساليب المتاحة إذا أستمرت على هذا التعنت وإلى رفض الحلول السلمية.
وفى غزة أعلن الرئيس أمام العالم أن تهجير الفلسطينين من أراضيهم يمثل 
"خطًا أحمر" منذ اليوم الأول بعد أحداث السابع من أكتوبر 2023 التى قامت بها حركة حماس الإخوانية والتى أعطت بموجبه ذريعة لإسرائيل لإبادة قطاع غزة عن بكره أبيه حيث نجحت فى تصدير صورة للعالم أجمع بإنها تعرضت لعمليات إرهابية قامت بها تلك الحركة ونجحت فى كسب تعاطف المجتمع الدولى وعلى الرغم من ذلك كانت الكلمة المصرية هى الأقوى أمام العالم عندما فطن الرئيس إلى المخطط الإسرائيلى الرامى إلى تهجير الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته برمتها ومازال هذا الأمل هو ما تسعى إسرائيل إلى تحقيقه ومازالت مصر تقف بالمرصاد لإجهاض هذا الهدف وتلك المخططات.
ومؤخرًا حضر الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس السيادى الإنتقالى السودانى إلى مصر مطالبًا بالعون والمساعدة تجاه العدوان التى تتعرض له الأراضى السودانية من قوات الدعم السريع والتى تضم مليشيات متعددة الأجناس والمأجورة والممولة من قبل بعض الدول العربية والأجهزة المخابراتية الدولية وتحاول خلق كيانات موازية للشرعية السودانية ويبدوا إنها حققت بالفعل نجاحات للوصول إلى هذا الهدف وذلك على حساب الآلآف الشهداء من ضحايا الشعب السودانى الشقيق وهو الأمر الذى دفع السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى ضرورة الحفاظ على وحدة الدولة السودانية ومؤسساتها ومنع المساس بها أو تقويضها وإن ذلك يعتبر "خطًا أحمر" لا يمكن تجاوزه مشددًا على حق مصر الكامل فى إتخاذ كافة التدابير والإجراءات التى يكفلها القانون الدولى وإتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين بما يضمن عدم المساس بهذه الخطوط الحمراء أو تجاوزها وإعتبار أن ذلك يمس الأمن القومى المصرى مباشرة خاصة وإنه يرتبط إرتباطًا مباشرًا بالأمن القومى السودانى فى ظل تشابك المصالح والإعتبارات الجغرافية والأمنية والإنسانية والتاريخية بين البلدين مع الرفض القاطع لأى محاولات لإنفصال أى جزء من الأراضى السودانية أو إنشاء كيانات موازية أو الإعتراف بها بإعتبار أن ذلك يمثل مساسًا مباشرًا بوحدة السودان وسلامة أراضيه.
الشاهد فى كل ما أشرت إليه من تحديات تهدد الأمن القومى المصرى إنه على الرغم من كل ذلك فإن مصر لم تنجرف نحو أى عمل عسكرى يسقط حقها فى أن تكون دائمًا "الدولة المرجعية" فى جميع التحديات والأزمات التى تشهدها المنطقة والتى تمثل خطرًا على الأمن القومى المصرى وهو ما جعلها محل تقدير وإحترام من جميع دول العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التى بدأت تسعى حثيثًا للتدخل القوى والمؤثر على جميع تلك الحروب والأزمات التى من الممكن أن تؤثر على الأمن والإستقرار فى مصر.
إن مصر مازالت تتمسك بمحددات أخلاقية وسياسية تمثل التوازن الإستراتيجى لها بين جميع دول العالم وتحكم السلوك الإقليمى والدولى لها خاصة فيما يتعلق برؤيتها لنزاعات المنطقة....ومن أهم تلك المحددات...
-التأكيد على سيادة الدول الأخرى وسلامة أراضيها من التفكك والإنقسام دون التدخل فى شئؤنها الداخلية طالما أن ذلك لا يمثل تهديدًا للأمن القومى المصرى.
-إحترام ودعم الدول الوطنية وحقوق الإنسان بها ونبذ العنف ضد شعوبها سواء فى المنطقة العربية أو خارجها.
-رفض التعامل مع الحكومات المعتدية أو المتعدية وكذلك المليشيات والجماعات المسلحة.
-البعد عن الإستقطاب الإقليمى مهما كانت المغريات وإقامة علاقات متوازنة مع الدول المختلفة وفقًا لأبعاد أمنها القومى.
-عدم اللجوء إلى القوة العسكرية لحل الأزمات على الرغم من رسم خطوط حمراء إذا أثر ذلك على أمنها القومى بل تغليب الحلول الدبلوماسية فى المقام الأول.
هذه هى سياسة مصر القائمة على مبدأ "الإتزان الإستراتيجى" الذى يراعى فى المقام الأول الأمن القومى المصرى وأمن المنطقة العربية بحسبانهما يؤثر كل منهما على الآخر بما يجعل سياستها تتسم بالقوة الأخلاقية وتؤكد على ثوابت سياسية راسخة تحظى بإحترام العالم بأسره.

ads
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق