ما بين تصعيد متجدد وجمود يهدد التسوية والتوصل إلى حل للأزمة الإنسانية في قطاع غزة ومن ثم التوصل إلى حل جذري للقضية الفلسطينية، ليتحول قطاع غزة إلى منطقة تعيش في حالة "اللا سلم واللا حرب"، حيث تراوحت الأحداث بين تصعيد عسكري متجدد في محاور القتال الرئيسية، واستمرار الأزمة الإنسانية الكارثية، بالتزامن مع جمود يهدد جهود التوصل إلى تسوية شاملة أو الانتقال إلى مرحلة متقدمة من اتفاق وقف إطلاق النار.
فبينما واصلت إسرائيل عملياتها في مناطق مختلفة من القطاع، لا سيما شمال غزة وحول الأنفاق في رفح، مؤكدة على هدفها الاستراتيجي في تحقيق القبضة الأمنية المطلقة، ظلت الجهود الإقليمية والدولية، بقيادة مصر، تتركز على تثبيت وقف إطلاق النار وضمان تدفق المساعدات التي تعاني من بطء شديد مقارنة بالاحتياجات الهائلة، خاصة مع دخول فصل الشتاء وتدهور أحوال النازحين.
في المقابل، برزت تعقيدات سياسية وعسكرية كبيرة، كان أبرزها مأزق المقاتلين المحاصرين في أنفاق رفح، الذي أثار اتهامات متبادلة بخرق اتفاق التهدئة وعرقلة الانتقال إلى المرحلة الثانية من المفاوضات. هذه التطورات، المقترنة بالضغط الدولي المتزايد لوقف عنف المستوطنين في الضفة الغربية، تؤكد أن المنطقة تدخل شهراً جديداً من عدم اليقين، حيث تتعارض الرغبة في إرساء سلام دائم مع الأهداف الاستراتيجية لكلا طرفي الصراع، مما يضع مصير المدنيين والجهود السياسية في مهب الريح.
خبراء: مصر أحبطت مخططات التهجير ونتنياهو يسعى لتفريغ القطاع من مقومات الحياة
وفي هذا الشأن، قالت الدكتورة تمارا حداد، الكاتبة والباحثة السياسية، إن طبيعة المرحلة الحالية التي تتسم بـ "اللا سلم واللا حرب"، والتي تعد الخيار الأمثل لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو؛ لأنها تمكنه من تحقيق الهدف الأمني المطلق.
وأضافت "حداد"، أن نتنياهو لا يريد حسم معادلة الإيقاف النهائي، بل يفضل الإبقاء على جبهات قتال مفتوحة في غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا، ساعياً لإغلاق هذه الملفات بالطريقة التي تحقق له الهدف الاستراتيجي المتمثل في بسط القبضة الأمنية أو الحكم الأمني الشامل على أرض قطاع غزة، كما شددت الدكتورة حداد على أن أي إيقاف نهائي للحرب يعني نهاية حياة نتنياهو السياسية، وهو ما يفسر إصراره على استمرار حالة اللا حسم.
ولفتت الباحثة السياسية، إلى وجود تشابه كبير في التفكير بين نتنياهو وحركة حماس، موضحة أن الحركة تعي تماماً أن أي تسوية أو إيقاف للقتال يستدعي استحقاق المرحلة الثانية المتمثل في نزع سلاحها أو إنهاء حكمها في القطاع. لذلك، فإن حماس هي أيضاً معنية بإبقاء الحالة كما هي، أملاً في أن تحقق إطالة أمد المواجهة بقاءها في الحكم، لتتقاطع بذلك مصلحتها مع مصلحة نتنياهو.
وأكدت "حداد"، أن الشعب الفلسطيني يبقى هو الضحية الكبرى بين الطرفين، مشددة على أن المؤشرات الميدانية والعقلية الأمنية الإسرائيلية لا تظهر أي بوادر لتعزيز حكم فلسطيني، بل تهدف إلى إعادة السيطرة المطلقة الإسرائيلية على قطاع غزة والضفة الغربية، من منطلق فرض السيادة الذي يساوي في مفهومه التهجير، وتقليل الديموغرافيا الفلسطينية.
وأشارت الباحثة، إلى أنه على الرغم من نجاح مصر في إحباط مخططات التهجير لكونه "خطاً أحمر"، إلا أن الخوف الأكبر يكمن في تقليل مقومات الحياة في القطاع، خاصة مع غياب بوادر إعادة الإعمار، ويعود ذلك لعدة معرقلات أهمها اشتراط نزع سلاح حماس وغياب التوافق على إدخال قوات دولية، التي ترى بعض الأطراف أنها تستهدف نزع سلاح الفصائل بدلاً من تعزيز الهوية الفلسطينية.
كما حذرت الدكتورة حداد، من أن المستقبل القادم سيشهد عودة للسيطرة الإسرائيلية المطلقة وفرض وقائع جديدة تشمل إنشاء مناطق عازلة وتقسيم القطاع إلى تجمعات سكانية، واستمرار سياسة الاغتيالات والتضييق الإنساني والعسكري.
الباحث محمد ربيع الديهي: تأكيد على الدور المصري وتحديات الوضع الإنساني
من جانبه، أكد محمد ربيع الديهي، الباحث في العلاقات الدولية، على ثبات الموقف المصري تجاه القضية الفلسطينية باعتبارها القضية المركزية. وأوضح أن الجهود المصرية متواصلة لضمان حياة أفضل للشعب الفلسطيني، بالرغم من أن الواقع على الأرض يختلف بعض الشيء في ظل وجود تجاوزات وعرقلة للمساعدات من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي. وفي هذا الصدد، أشار الديهي إلى أن مصر تتحمل العبء الأكبر، حيث قدمت أكثر من 70% من المساعدات، وتطالب بضرورة مضاعفة هذه القوافل وزيادة الجهود الدولية لضمان وصولها دون عوائق.
وفيما يتعلق بملف المعابر، أيد الديهي تصريحات وزير الخارجية المصري المطالبة بفتح جميع المعابر، موضحاً أن هناك سبعة معابر تربط دولة الاحتلال بقطاع غزة، وتتحكم فيها إسرائيل بشكل كامل، مما يجعلها الممر الرئيسي والمسؤول عن أي عرقلة لوصول المساعدات. أما عن الوضع الإنساني، فوصفه الديهي بأنه ما زال صعباً وكارثياً، خاصة مع دخول فصل الشتاء، مشيراً إلى أن مصر تسعى من خلال جهود عديدة ومؤتمرات لـإعادة الإعمار لتوفير المأوى المناسب، إلا أن دولة الاحتلال تتعمد عرقلة هذه الجهود كطريقة بديلة لتحقيق هدفها في فكرة التهجير، وإبقاء الوضع الإنساني في صورته المأساوية. وشدد الديهي في ختام حديثه على أن عملية وقف إطلاق النار لم تنهِ مأساة الفلسطينيين، داعياً المجتمع الدولي إلى تكثيف جهوده لـمضاعفة المساعدات وإعادة إعمار شامل للقطاع، الذي يعاني من دمار واسع في قطاعاته التعليمية والصحية والبنية التحتية.










0 تعليق