قدّمت الفنانة السيبيرية الشابة إلينا تينجري مشروعها الفني الطموح «رماد البرد» Ashes of the Cold في قلب الصحراء المصرية، في تجربة تجمع بين الفلكلور القديم وفن البيئة المعاصر. ويعيد المشروع إحياء أسطورة «ثور البرد» لدى شعب الساها في ياكوتيا، موطن الفنانة وأحد أبرد الأماكن المأهولة على وجه الأرض، حيث تصل درجات الحرارة إلى 70 درجة تحت الصفر.
من أسطورة «ثور البرد» إلى تحذير من الاحتباس الحراري
تستعير تينجري من الأسطورة فكرة قرون الثور العملاق التي تذوب إيذانًا بانتهاء الشتاء، لكنها تعيد تفسيرها في سياق معاصر لتصبح القرون الذائبة رمزًا لفقدان التوازن المناخي. وتوضح الفنانة:
"ذوبان الجليد هنا لا يعني عودة الربيع، بل يكشف اختلالًا صامتًا في الطبيعة… أزمة المناخ لا تحدث بشكل مفاجئ، لكنها تتقدم بلا توقف."
منحوتة جليدية عملاقة في قلب الصحراء
المشروع يضم منحوتة يبلغ ارتفاعها ستة أمتار ووزنها سبعة أطنان من الجليد والثلج، نُصبت وسط الصحراء المصرية كأنها «نصب تذكاري للبرد الذي يختفي». ويذوب الجليد تدريجيًا تحت شمس الصحراء، في مشهد بصري يختزل تحولات المناخ المتسارعة.
تجربتان فنيتان في القاهرة
أُقيمت النسخة الأولى من العمل في محمية الغابة المتحجرة، حيث شكّل الجليد المتوهج بالتذويب تباينًا بصريًا مع الصخور الرسوبية القديمة.
أما النسخة الثانية فجاءت في مزرعة خيول محلية، حيث تُركت المنحوتة لتذوب بالكامل على مدار ثلاثة أيام، مع توثيق العملية بتقنية تايم لابس، محوّلة ذوبان الجليد إلى سرد مرئي يروي فكرة اختفاء الفصول الباردة من العالم.
رسالة مناخية في لحظة عالمية حرجة
يأتي المشروع في وقت تتصاعد فيه التحذيرات من آثار تغيّر المناخ، حيث يعاني أكثر من 4 مليارات شخص من نقص المياه لمدة شهر سنويًا، بينما يواجه 1.8 مليار شخص ندرة مياه شديدة خلال العام الجاري. وتبرز الدول ذات المناخ الجاف، مثل مصر، على خط المواجهة الأول مع ارتفاع الحرارة وتراجع الموارد المائية وتدهور جودة الهواء.
وتضيف تينجري:
"الفصول ليست أبدية… ما نعتبره طقسًا طبيعيًا قد يختفي كما يختفي الجليد تحت شمس الصحراء."
مع ذوبان المنحوتة وانسحاب الماء إلى الرمال، يصبح الجمهور شاهدًا على عملية طبيعية لا يمكن إيقافها. ويحوّل المشروع هشاشة الجليد إلى استعارة مباشرة عن هشاشة الإنسان أمام أزمة بيئية عالمية تتفاقم بصمت.
«رماد البرد»… تأمل بصري ودعوة عاجلة للتحرك
لا يقدّم العمل مجرد صورة لفقدان الطبيعة، بل يدعو إلى التأمل في سرعة التحولات المناخية، مستخدمًا لغة بصرية بسيطة وعابرة للثقافات هي ذوبان الجليد. ويضع الجمهور أمام سؤال أساسي: كيف سيبدو العالم إذا اختفت فصوله الباردة؟









0 تعليق